الأولُ: أن يكونَ عندَ مَن يَعْنِيهِ أمرُهُ، ولا يجوزُ ذِكرُهُ عندَ مَن لا يَعْيِنهِ أمرُه؛ فلا يجوزُ له أن يذكُرَ أحدًا بما يَعلَمُهُ عنه مِن فُحْشٍ وبُخْلٍ عند مَن لا يُريدُ أنْ يزوِّجَهُ، ولا ذِكْرُهُ بما يَعلَمُهُ عنه مِن ضعفِ أمانةٍ عندَ مَن لا يُعامِلُهُ بالمالِ، ولا يُعامِلُهُ بعَهْدٍ ولا سِرٍّ.
الثاني: أن يكونَ ذِكْرُهُ بما هو فيه؛ لا يَزيدُ عليه وصفًا لا يَعْنِيهِ؛ كالتاجرِ يَعْنِيهِ الأمانةُ، والزوحةِ يَعْنِيها الدِّيانةُ والخُلُقُ.
الحالةُ الرابعةُ: غِيبَة المُجاهِرِ بفِسْقِه؛ كمَن يُعلِنُ للناسِ شُرْبَهُ للخمرِ، أو المرأةِ التي تخرُجُ سافرةً أمامَ الناسِ؛ فذِكْرُ هذا بما هو فيه مِن غيرِ تشَفٍّ جائزٌ، ولا يجوزُ ذِكرُهُ على وجهِ السُّخْريَّةِ والتشفِّي؛ لذلك شماتةٌ مذمومةٌ.
وقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ على أنْ لا غِيبةَ للمُجاهِرِ بفِسْقِهِ.
وجوازُ غِيبَةِ المُجاهِرِ بفسقِهِ لا يَعني استباحةَ عِرْضِه فيما لم يُجاهِرْ به؛ وإنَّما كلامُ العلماءِ في المُجاهرِ بفسقِه إذا اغتِيبَ بما جاهَرَ به، فأمَّا ما لم يُجاهِرْ به، فلا تجوزُ غيبتُهُ فيه؛ كالمسلِمِ الذي يُجاهِرُ بمعصيةٍ كشُرْبِ الخمرِ، لا يجوزُ غِيبتُه بما يَكرَهُهُ مِن غيرِ ذلك، وهذا بلا خلافٍ.
الحالة الخامسةُ: المستفتي في أمرٍ يحتاجُ معه إلى ذِكْرِ مَن يتعلَّقُ بفتواهُ؛ كالزوجةِ تَستفتِي، فتحتاجُ أن تذكُرَ زوجَها بالبخلِ أو الضربِ أو الهجرِ، وتُريدُ حُكْمًا فيه؛ فلا حرَجَ عليها في ذلك، ومِن ذلك ما جاء في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عائشةَ؛ أنَّ هندَ بنتَ عُتْبَةَ قالتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أبا سُفيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا