للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعدَ الصلاةِ، وخاصَّةً التسبيحَ؛ على ما ثبَتَ في السُّنَّة، وقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّه يَرى التسبيحَ في الآيةِ بعدَ الصلواتِ كلِّها؛ كما رواهُ البخاريُّ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ مجاهدٍ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ يَعْنِي: قَوْلَهُ: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ (١)، وقد ذكَرَ النبيُّ التسيحَ دُبُرَ الصلاةِ كما في قولِه: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاِثِينَ. . .) الحديثَ (٢).

وعلى هذا المعنى يُحمَلُ التسبيحُ في الآيةِ؛ في الليلِ: على معنى الصلاةِ، وفي أدبارِ السجودِ: على الذِّكْرِ، وعامَّةُ السلفِ على أنَّ المرادَ بالتسبيحِ في الليلِ الصلاةُ، وليس هو ذِكْرَ التسبيحِ: (سبحانَ اللَّهِ).

وقد ثبَت في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هريرةَ ؛ أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ )، قالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمُ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ )، قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: (تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً)، قَالَ أَبُو صالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) (٣).

المعنى الثاني: أنَّ المرادَ بالتسبيحِ أدبارَ السجودِ: هو صلاةُ السُّنَّةِ بعدَ المغرِبِ؛ وعلى هذا المعنى يُحمَل التسيحُ في الآيةِ في الموضعَيْنِ:


(١) أخرجه البخاري (٤٨٥٢).
(٢) أخرجه مسلم (٥٩٧)؛ من حديث أبي هريرة .
(٣) أخرجه البخاري (٨٤٣)، ومسلم (٥٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>