للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَوَى الطبرانيُّ؛ مِن حديثِ شَيْبةَ بنِ عثمانَ مرفوعًا، قال: (إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ، فَإِنْ وُسِّعَ لَهُ، فَلْيَجْلِسْ؛ وَإِلا فَلينظرْ إِلَى أَوْسَعِ مَكَانٍ يَرَى، فَلْيَجْلِسْ) (١).

ولا يقومُ بالتفريقِ بينَ اثنَيْنِ ليَجلِسَ بينَهما؛ فقد يكونُ بينَهما حديثٌ أو مودَّةٌ أو مصلحةٌ، فيَقطَعُ ذلك؛ فيَحمِلانِ في نَفْسَيْهما عليه! ففي "المسنَدِ"، و"السُّننِ"؛ من حديثِ عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، أنَّ رسولَ اللَّهِ قال: (لَا يَحِلُّ لِرَجلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بإذْنِهِمَا) (٢).

ويُستحَبُّ للداخِلِ: ألَّا يُضيِّقَ على جالسٍ فيُزاحِمَهُ وفي المكانِ سَعةٌ، ولا أن يَجلِسَ في مَجلِسِ مَنْ قام عنه ليَجلِس مكانَه! فربَّما قام حياءً فيَجلِسُ مكانَه كِبْرًا، ما لم يَتيقَّنْ أنَّه يَفرَحُ بإجابةِ دَعْوَتِهِ لمكانِه؛ لأنَّه يُحِبُّ إكرامَهُ ويدخُلُ السرورُ عليه بذلك، ورَوَى أحمدُ وأبو داود، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي عَمْرَةَ الأنصاريِّ؛ قال: أُخبِرَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ بِحِنَازةٍ، فَعَادَ تَخَلَّفَ حَتَّى إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، ثمَّ جَاءَ، فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْمُ، تَشَذَّبُوا عَنْهُ، فَقَامَ بَعضُهمْ لِيَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: لَا؛ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: (إِنَّ خَيْرَ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا)، ثُمَّ تَنَحَّى وَجَلَس فِي مَجلسٍ وَاسِعٍ (٣).

وأمَّا إقامةُ أحدٍ للجلوسِ مكانَهُ، فهذا لا يجوزُ بصريح السُّنَّة؛ فقد صحَّ عن ابنِ عمرَ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ قال: (لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ؛ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا) (٤).

وإنْ قام مِن مَجلسِه قريبًا، فعاد إليه، فهو أحَقُّ به، ما لم يكنْ ذلك من المَجالسِ العامَّةِ والمَرَافِقِ والمَيَادِينِ، التي لا يتوطَّنُ الإنسانُ فيها


(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٧١٩٧).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٢١٣)، وأبو داود (٤٨٤٥)، والترمذي (٢٧٥٢).
(٣) أخرجه أحمد (٣/ ١٨)، وأبو داود (٤٨٢٠).
(٤) أخرجه البخاري (٦٢٦٩)، ومسلم (٢١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>