للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالفطرُ أفضلُ، والرخصةُ له في الحالَيْنِ بالصومِ أو الفطرِ ما لم يُؤْذِ نفسَهُ بالصومِ.

وهذا أقرَبُ الأقوالِ، وبه تجتمعُ النصوصُ، وعليه تُحمَلُ أحوالُ الصحابةِ والتابعينَ، وتَباينُهُمْ في الصومِ في السفرِ.

وقد جاءتِ الرواياتُ عن رسولِ اللهِ متبايِنةً بالنهيِ والإقرارِ؛ بالنهيِ عن الصيامِ في السفرِ، وبإقرارِ الصحابةِ على صَوْمِهم وفِطْرِهم؛ فقد روى مسلِمٌ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ؛ قال: "غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ لِسِتَّ عَشْرةَ مَضَتْ مِن رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ" (١).

وأضعفُ هذه الأقوالِ: القولُ بعدمِ انعقادِ الصومِ في السفرِ، وأنَّه محرَّمٌ بكلِّ حالٍ؛ فاللهُ قد رخَّصَ لهذه الأمَّةِ بالفِطْرِ، والرخصةُ لا تَلْزَمُ صاحبَها؛ وقد روى أحمدُ وابنُ خُزَيْمةَ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ عُمَارةَ، عن نافعٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، عن رسولِ اللهِ ؛ أنَّه قال: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) (٢).

ورُوِيَ عن حمزةَ بنِ عمرٍو الأَسْلَميِّ؛ أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، أَجِدُ بي قُوَّةً على الصيامِ في السفرِ، فهل عليَّ جُنَاحٌ؟ فقال رسولُ اللهِ : (هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَن أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) (٣).

قولُه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾:

جعَلَ اللهُ الصيامَ يُسْرًا في أصلِ تشريعِهِ، فكان مستحَبًّا ثلاثةُ أيامٍ


(١) أخرجه مسلم (١١١٦) (٢/ ٧٨٦).
(٢) أخرجه أحمد (٥٨٦٦) (٢/ ١٠٨)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٢٠٢٧).
(٣) أخرجه مسلم (١١٢١) (٢/ ٧٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>