للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن كلِّ شهرٍ، مفرَّقةً لا متتابِعةً، وفَرْضًا على قولٍ؛ وذلك ترويضًا للنفسِ وتعويدًا لها.

ثمَّ شرَعَ اللهُ الصيامَ لرمَضَانَ اختيارًا، ثمَّ جعَلَهُ اللهُ فرضًا، يصامُ شهرًا واحدًا في السَّنَةِ، وهو الشهرُ التاسعُ من السَّنةِ القمريَّةِ، وجعَلَ لأهلِ الأعذارِ الفِطْرَ رُخْصةً، بل ربَّما وجَبَ إذا كان يَخشى معه على نَفْسِهِ الهلاكَ.

والإرادةُ في الآيةِ هي إرادةُ التشريعِ، وهو معنى التيسيرِ في الحُكْمِ، وهذا أيضًا معنى التوسُّطِ في قولِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]؛ يَعني: عَدْلًا، والعدلُ هو إنصافُ المكلَّفِينَ وأهلِ الحقِّ بما يَعمَلُونَ ويستحِقُّون، والوَسَطيَّةُ شريعةٌ ثابتةٌ، لا حُكْمٌ يُبحَثُ عنه؛ فاللهُ يقولُ: ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]؛ فاللهُ جعَلَ وأرادَ وقضى الأمرَ؛ فكُلُّ أمرِهِ ونهِيهِ وسَطٌ ويُسْرٌ ورحمةٌ، والخروجُ عنه ظُلْمٌ وتشدُّدٌ وتفريطٌ وإفراط.

ومِن يُسْرِ اللهِ وعدلِهِ: الترخيصُ لأهلِ الأعذارِ - كالمسافرِ والمريضِ، والحاملِ والمرضعِ، والشيخِ الكبيرِ وشبهِهم - بالفِطْرِ.

روى ابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتمٍ، عنْ عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ في قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾؛ قَال: "اليُسْرُ الإفْطَارُ فِي السَّفَرِ" (١).

ورُوِيَ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ والضَّحَّاكِ نحوُهُ (٢).

قولُه: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾:


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٢١٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣١٣).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>