للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى سعيدُ بنُ منصورٍ، عن زَيْدٍ بنِ وَهْبٍ؛ قالَ: كَتَبَ عُمَرُ : "لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، واتَّقُوا اللهَ فِي الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصُبُونَ لَكُمُ الْحَرْبَ" (١).

ورُوِيَ نحوُهُ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ؛ رواهُ ابنُ المنذِرِ (٢).

والآيةُ محمولةٌ على جهادِ الدَّفْعِ عندَ صَوْلةِ المشرِكِ وعدوانِه، وقد أنزَلَ اللهُ في القتالِ العامِّ متى توافَرَتْ أسبابُهُ ما في سورةِ التوبةِ؛ قال: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦].

ومع أنَّ المسلِمينَ في المدينةِ لم تكتمِلْ لهمُ القُوَّةُ، وأيضًا فشَوْكةُ المشرِكِينَ بمكَّةَ قويَّةٌ؛ أنزَلَ اللهُ عليهِمُ الأمرَ بالقتالِ عند العدوانِ، وفيه أهميَّةُ الجهادِ، وإظهارُ قوةِ المسلِمينَ، وحالُ المسلِمِينَ حينئذٍ يُمكِنُ معَها تَرْكُ العمرةِ، وعدَمُ التعرُّضِ للمشرِكِينَ، ولكنَّ الإبقاءَ على أمرِ العُمْرةِ، وإظهارَ العُدَّةِ للمقاتَلةِ عند العُدْوانِ: يُورِثُ هَيْبةً للأُمَّةِ في نفوسِ المشرِكِينَ.

وأكثَرُ ما يُستضعَفُ المسلِمُونَ عندَ تركِ الجهادِ وتركِ إظهارِ القوةِ، واللهُ جعلَ إظهارَ القوةِ وإعدادَ العُدَّةِ ولو بلا قتالٍ مَطْلَبًا؛ ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠] , فإدخالُ الرهبةِ على نفوسِ المشرِكِينَ مَقصَدٌ، وظهورُ ضعفِ المسلِمِينَ يجرِّئُ عليهم غيرَهُمْ.

* * *


(١) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (٢٦٢٥) (٢/ ٢٨٠).
(٢) "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (٤/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>