للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩١، ١٩٢].

بعدَ أنْ كانَ أَمْرُ اللهِ بالقتالِ مقتصِرًا على مَن قاتَلَ واعتَدَى، واعترَضَ المسلِمِينَ ومالَهُمْ - وهو جهادُ الدَّفْعِ - أمَرَ سبحانَهُ بجهادِ الطَّلَبِ؛ فاتَّسَعَتْ دائرةُ القتالِ.

وهذه الآيةُ معطوفةٌ على الآيةِ السابقةِ بحرفِ العطفِ الواوِ، وجعَلَ بعضُ العُلَماءِ هذا قرينةً على أنَّ هذه الآياتِ نزلَتْ منتظِمةً في سياقٍ واحدٍ، ولم يَنسَخْ بعضُها بعضًا؛ فإنَّ عطْفَ بعضِها على بعضٍ يمنعُ مِن دعوى النَّسْخِ، وتأخُّرِ بعضِها عن بعضٍ بحيثُ يكونُ بينَهما زمنٌ وحوادثُ تُوجِبُ تغيُّرَ الحُكْمِ.

وقولُ ابنِ خوَيْزِمَنْدَادَ من المالكيَّةِ بأنَّ قولَه: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ منسوخٌ بقولِه: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]: فيه نَظرٌ؛ لما تقدَّم.

وعطَفَ اللهُ الأمرَ بالقتلِ هنا: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ﴾، بعدَ قولِهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩٣]؛ للاتصالِ بالمعنى الذي في الآيةِ السابقةِ؛ وذلك أنَّهم خارِجونَ للمقاتَلَةِ، وسيُقابِلونَ المشرِكين؛ منهم مَن يقاتِلُ، ومِنهم مَن لا يُقاتِلُ؛ لعجزٍ أو خوفٍ، أو لكونِهِ خرَجَ تحريضًا وتشجيعًا فقطْ، فاحتاجُوا لبيانِ أنَّ حُكْمَ مَن خرَجَ للقتالِ حُكْمُ المقاتِلِ ولو لم يُقاتِلْ؛ ولذا قال: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ﴾؛ يَعني: ولو بدونِ مُقاتَلتِه.

وقولُهُ تعالى: ﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾؛ أي: لَقِيتُموهم؛ أيْ: على كلِّ حالٍ؛ سواءٌ كانوا في حالةِ تنقُّلٍ أو راحةٍ أو تطلُّعٍ وتحسُّسٍ؛ وذلك ما دامُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>