للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآخَرُونَ يَفْرُقُونَ، وليس فَرْقُ مَن فرَقَ بين ذلك ولا جَمْعُ مَن جمَعَ ناقضًا القياسَ الذي ذكَرْنَاه، بل الأمرُ كلُّه دالٌّ على الحبْسِ" (١).

والمرادُ في الآيةِ: إنْ حبَسَكُمْ شيءٌ عنِ الحجِّ والعُمْرةِ، فما تيسَّرَ ووُجِدَ في أَيْدِيكُم مِن الهَدْيِ الذي سُقتُمُوهُ إلى مَكَّةَ، أن يُذبَحَ في الموضعِ الذي تَمَّ الحصرُ فيه.

وقولُه: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾؛ أيْ: وُجِدَ وسَهُلَ على الإنسانِ؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن طاوسٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾؛ قال: "كُلٌّ بقَدْرِ يَسَارَتِهِ" (٢).

وأدناهُ مِن الغَنَمِ: شَاةٌ أو مَعْزٌ؛ قال بهذا ابنُ عبَّاسٍ ومجاهِدٌ وعطاءٌ والحسَنُ وعَلْقَمةُ (٣)، وبهذا فسره أحمد (٤).

وفسَّرَهُ ابنُ عُمَرَ بالجَزُورِ أوِ البَقَرةِ؛ وبهذا قال عُرْوةُ بنُ الزُّبَيْرِ وغيرُهُ (٥).

ويتَّفِقُ الفقهاءُ مِن السلفِ على أنَّ أولى ما يقَعُ عليه الإحصارُ هو إحصارُ العَدُوِّ، واختَلَفُوا فيما يَحبِسُ الإنسانَ عن الحَرَمِ مِن غيرِ العدوِّ؛ كالمَرَضِ وضياعِ المالِ، والبحثِ عنه، وغيرِ ذلك، ومِن السلفِ مَن رأى كلَّ حابسٍ للإنسانِ يمنعُه مِن الوصولِ إلى الحَرَمِ، فهو إحصارٌ، له أن يتحلَّلَ به؛ وذلك للاشتراكِ في العِلَّةِ، وهي الحَبْسُ، والحُكْمُ يدورُ مع العِلَّةِ وجودًا وعدمًا، ثمَّ إنَّ الوحيَ لم يَربِطِ الإحصارَ بعدوٍّ؛ وإنَّما أطلَقَهُ؛ كما في الآيةِ، فقالَ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾، ثمَّ إنَّ غالِبَ أحكامِ القرآنِ تُؤخَذُ على عمومِها ما لم تُقيَّدْ.


(١) "مقاييس اللغة" (٢/ ٧٢).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٣٧).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" (٣/ ٣٤٨ - ٣٥٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٣٦).
(٤) مسائل ابن منصور (١/ ٥٤٥).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" (٣/ ٣٥٤ - ٣٥٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>