للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثرُ الخَلَلِ في نتاتجِ تفكُّرِ العقولِ, أنَّها تضعُفُ في تأمُّلِ الحقيقةِ؛ إمَّا في الدُّنيا أوِ الآخِرةِ؛ فتضطَرِبُ نتائجُها، فمَن لا يُؤمِنُ بجَدْوَى حُكْمِ اللهِ، فهو تفكَّرَ فيما يَراهُ مِن دُنْياهُ، لا فيما يراهُ مِن عاقبتِهِ ممَّا غاب عنه في الدُّنيا والآخِرةِ.

* * *

قال تعالى: ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠].

كانتِ العربُ تتوسَّعُ في مالِ الأيتامِ، ومالُهُمْ في غالبِهِ يحتاجُ إلى إدارةٍ وتصرُّفٍ؛ لأنَّه لا يُنتفَعُ به إلَّا بذلك؛ فغالِبُ مالِ العربِ إمَّا زَرْعٌ وغَرْسٌ أو ماشِيَةٌ، والنَّقْدانِ فيهم قليلٌ, والزَّرْعُ والغَرْسُ والماشيةُ تحتاجُ إلى رعايةٍ حتَّى تُخرِجَ وتُدِرَّ وتُنتِجَ، فكان لا بُدَّ مِن عائلٍ لها، وربَّما تَساهَلَ أقوامٌ بأَخْذِ أموالِ اليتامى، وزادُوا في أخذِ حقِّهم، وترخَّصوا بالزِّيَادةِ على ما يَستحِقُّونَ، وربَّما جعَلُوها خُلْطةً مع مالِهم بلا تمييزٍ، وغلَبَ تقديرُهُمْ لحظِّ أنفُسِهِمْ على أيتامِهم؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّهِ قولَهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] , فخاف كثيرٌ منهم لإيمانِهِ، وتورَّعَ عن قربِ مالِ اليتيمِ، وتردَّدَ كثيرٌ، حتَّى زهِدَ الناسُ في رعايةِ الأيتامِ وتنميةِ مالِهم.

روى ابنُ المنذِرِ، وابنُ جريرٍ، عن عَلِيٍّ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ فِي قولِهِ ﷿: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ قَالَ: ذلك أَنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَزَّ - لمَّا أَنْزَلَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ الآيةَ [النساء: ١٠] , كَرِهَ المُسْلِمونَ أَنْ يَضُمُّوا الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ، وَتَحَرَّجُوا أَنْ يُخَالِطُوهُمْ فِي شَيْءٍ، وَسَأَلُوا النَّبِيَّ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ - جَلَّ وَعَزَّ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>