للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُهُ تعالى في الأَمَةِ المشرِكةِ: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}، وفي المبدِ المشرِكِ: {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}: فيه العفوُ عمَّا يَجِدُهُ العبدُ مِن استحسانٍ قلبيٍّ لكافرٍ وتفضيلِهِ على مسلمٍ لبعضِ ما خُصَّ به مِن جمالِ خِلْقةٍ، وقوةِ بَسْطَةٍ، أو حُسْنِ صَنْعةٍ؛ فاللهُ أثبَتَ وجودَ ذلك ولم يَنْهَ عنه، ولكنَّه نَهَى عن الانقيادِ له وتَرْكِ حُكْمِ اللهِ لأجلِهِ.

وقولُهُ تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}:

هذا بيانٌ لِعِلَّةِ التحريمِ وعلةِ التفاضُلِ بين المؤمِنةِ والمشرِكةِ، والمؤمِنِ والمشرِكِ، وهو الظلمُ في حقِّ اللهِ وسوءُ العاقبةِ عندَ اللهِ؛ وذلك أنَّ المشرِكةَ والمشرِكَ يَدْعُونَ إلى الكُفْرِ ولو بلسانِ حالِهِمْ، ودوامُ المخالَطةِ يؤثِّرُ في النفوسِ.

* * *

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢].

كان اليهودُ يهجُرُونَ الحائضَ حالَ حَيْضِها؛ فلا مؤاكَلةَ ولا مضاجَعةَ؛ لأنَّها نَجِسةٌ عندَهم، وبهذا أخَذَ بعضُ المسلِمِينَ في المدينةِ، فبيَّن اللهُ حُكْمَ الحائضِ وقُرْبِها، وما يَحِلُّ منها وما يحرُمُ، وأنَّها طاهِرةُ البدنِ، نَجِسةُ الخارجِ، فدمُ الحيضِ نَجِسٌ بلا خلافٍ؛ ولذا قال تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى}، والمرادُ به القذرُ النَّجِسُ، ولنجاسةِ دمِ الحيضِ حرَّمَ اللهُ وَطْءَ الحائضِ؛ ولذا قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.

ففي "المسندِ"، و"الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ: أنَّ اليهودَ كانت إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>