للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاضَتِ المرأةُ منهم، لم يؤاكِلُوها ولم يجامِعُوها في البيوتِ، فسَأَلَ أصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأنزَلَ اللهُ - عز وجل -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، حتى فَرَغَ مِن الآيةِ، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النكاحَ)، فبلَغَ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يُرِيدُ هذا الرجلُ أنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنا شيئًا إلا خالَفَنَا فيه! فجاء أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ، فقالا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اليهودَ قالتْ كذا وكذا؛ أفلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فتَغَيَّرَ وجهُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حتى ظَنَنَّا أنْ قد وَجَدَ عليهما، فخرَجَا فاستقبَلَتهُمَا هديَّةٌ مِن لَبَنٍ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأرسَلَ في آثارِهما فسَقَاهُما، فعَرَفَا أنْ لم يَجِدْ عليهما (١).

والحيضُ كتَبَهُ اللهُ على جميعِ بناتِ آدَمَ؛ فلا يَخْتَصُّ بجنسٍ ولا بِبَلَدٍ ولا عِرْقٍ منهنَّ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عائشةَ، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ذَلِكِ شَيْءٌ كَتبَهُ اللهُ عَلى بَنَاتِ آدَمَ) (٢).

والمرادُ باعتزالِ الحائضِ: اعتزالُ الوطءِ، وليس اعتزالَ المجالَسةِ والمماسَّةِ والمؤاكَلةِ والمضاجَعةِ، كما يفعلُ اليهودُ؛ فقولُه تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} مفسَّرٌ ومبيَّنٌ بقولِهِ تعالى بعدَهُ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، فأمَرَ اللهُ بإتيانِ موضعِ الوطءِ وليس إتيانَها كلِّها؛ لأنَّها لم تحرُمْ كلُّها عليهم مِن قبلُ.

وقولُ اللهِ تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}؛ يعني: يَنقَيْنَ مِن نزولِ الدمِ، وقولُهُ بعدَهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}؛ يعني: اغتسَلْنَ مِن بقيَّةِ الأذَى؛ وعلى هذا: فلا يجوزُ وطءُ المرأةِ بعدَ طُهْرِها حتى تغتسِلَ؛ لأنَّ اللهَ ذكَرَ الطُّهْرَ والتطهُّرَ.

وهذا قولُ أحمد وجمهورِ العلماءِ، وعليه فتوى الصحابةِ والتابعين،


(١) أخرجه أحمد (١٢٣٥٤) (٣/ ١٣٢)، ومسلم (٣٠٢) (١/ ٢٤٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٩٤) (١/ ٦٦)، ومسلم (١٢١١) (٢/ ٨٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>