للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوليُّ معها إنَّما هو عاقدٌ، ورفضُها لرأيِ وليِّها ماضٍ عليه، ورفضُ الوليِّ لرَغْبَتِها عَضْلٌ؛ ولذا هي أحقُّ بنفسِها مِن وليِّها، ولكنْ ليس لها أنْ تتزوَّجَ بمَن تُرِيدُ إلَّا بعقدِ وليِّها لها، وليس لوليِّها مَنْعُها ممَّن تريدُ؛ لعمومِ الأدَّلةِ المستفيضةِ في ذلك، ومنها قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) (١)، وقولُهُ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) (٢)، وهي وغيرُها نصوصٌ عامَّةٌ، لا تفرِّقُ بين ثيِّبٍ وبِكْرٍ.

ويؤيِّدُ ذلك: أنَّ البِكْرَ قد تزوَّجُ بلا إذنِها كالصغيرةِ، ولمَّا ذكَرَ الثيِّبَ قال - صلى الله عليه وسلم -: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِّهَا)؛ ففرَّقَ بين البِكْرِ واالثيِّبِ في الإذنِ، لا في أصلِ حقِّ الوليِّ والعقدِ.

ولو كانتِ البِكْرُ تتشابَهُ معَ الثَّيِّبِ في أصلِ الولِيِّ فقطْ، لَحُمِلَ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ على حقِّها بتزويجِ نفسِها دون وليِّها، ولكنَّ الثيِّبَ والبِكْرَ تختلفانِ في الإذنِ، وحَمْلُ الاختلافِ على أصلِ الوِلَايةِ إلغاءٌ لأحاديثَ كثيرةٍ وعَمَلٍ مستفيضٍ، وحَمْلُهُ علي اختلافِ الإذنِ أَوْلَى وأحَقُّ وأجمَعُ للأدلَّةِ، وأبرَأُ للدِّينِ والذِّمَّةِ.

وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ قال: (الأَيِّمُ أحَقُّ بنَفْسِهَا)، وهو دليلٌ على اشتراكِ حقٍّ للوليِّ مع الثيِّبِ في نفسِها، ولكنَّها أَحَقُّ منه.

ومِثلُهُ لفظُ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ الآخَرِ؛ كما في "المسندِ" والنسائيِّ: "الْأَيِّمُ أَوْلَى بِأَمْرِهَا" (٣)؛ أيْ: للولِيِّ وِلَايةٌ، وهي أَوْلى منه؛ فلا يُمضِيها إلَّا بأمرِها.


(١) أخرجه أحمد (٢٢٦٠) (١/ ٢٥٠)، وأبو داود (٢٠٨٥) (٢/ ٢٢٩)، والترمذي (١١٠١) (٣/ ٣٩٩)، وابن ماجه (١٨٨٠) (١/ ٦٠٥).
(٢) أخرجه أحمد (٢٤٢٠٥) (٦/ ٤٧)، وابن ماجه (١٨٧٩) (١/ ٦٠٥)، وأبو داود (٢٠٨٣) (٢/ ٢٢٩)، والترمذي (١١٠٢) (٣/ ٣٩٩).
(٣) أخرجه أحمد (٢٣٦٥) (١/ ٢٦١)، والنسائي (٣٢٦٢) (٦/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>