للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِيَدِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) (١).

وفي "مسنَدِ أحمدَ"؛ أنَّ امرأةً جاءت إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا صبيٌّ لها به لَمَمٌ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ، أَنَا رَسُولُ اللهِ)، قال: فَبَرَأَ (٢).

وقولُه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}:

أصلُ فسادِ الآراءِ: بالأهواءِ، وأصلُ فسادِ الأهواءِ: بالقياسِ الفاسدِ، وهو أولُ ضلالٍ في الخلقِ؛ حيثُ امتنَعَ إبليسُ مِن السجودِ لآدَمَ بسببِ تفضيلِهِ النارَ على الترابِ؛ وقياسِهِ عليه امتناعَ سجودِ الفاضلِ للمفضولِ، وقد روى الدارِمِيُّ، عن الحسَنِ؛ أنَّه تلا هذه الآيةَ: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢]؛ قال: "قاسَ إبليسُ، وهو أولُ مَن قاسَ" (٣).

وكثيرًا ما تَمتطي الأهواءُ القياسَ؛ لِتَصِلَ إلى غاياتٍ فاسدةٍ، وكلُّ قياسٍ فاسدٍ ففَوْقَهُ قياسٌ يُبطِلُهُ، وهذا كحُجَّةِ الدهريِّينَ؛ قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٨، ٧٩]؛ أبطَلَ اللهُ قياسَهُم: أنَّ إحياءَ الميِّتِ بجسدِهِ محالٌ، فكيف بتحوُّلِ عِظَامِهِ إلى ترابٍ؟ ! فبيَّنَ اللهُ أنَّ جسَدَهُم تكوَّنَ بَعْدَ عَدَمٍ؛ فإنشاءُ مخلوقٍ بلا أصلٍ ماديٍّ سابقٍ دليلٌ على قدرةِ الخالقِ على إعادتِهِ مع وجودِ مَادَّتِه.

وفي قولِهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}: دليلٌ على أنَّ الأصلَ في العقودِ والمعامَلاتِ الحِلُّ ما لم يأتِ دليلٌ على التحريمِ، والله تعالى لا يحلِّلُ المعامَلاتِ بالتعيينِ لأفرادِها؛ وإنَّما يبيِّنُ المحرَّمَ منها، أو ما ظَنَّهُ


(١) أخرجه مسلم (٢٩٩٥) (٤/ ٢٢٩٣).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٥٤٩) (٤/ ١٧١).
(٣) أخرجه الدارمي في "سننه" (١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>