وغيرُ موجودِ، فلا يتحقَّقُ فيه الإخراجُ مِن الغَنِيِّ، والإعطاءُ للفقيرِ؛ كما في الآيةِ، وفي الحديثِ لمَّا بعَثَ النبيُّ ﷺ مُعَاذًا إلى اليمنِ، قال:(أَعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ؛ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)(١)، وإسقاطُ الذينِ خرَجَ مِن صاحبِهِ دَيْنًا أو بَيْعًا، لا زَكَاةً.
ولأنَّ حقَّه عندَ المَدِينِ لم يتعيَّنْ في مالِهِ، والزَّكَاةُ متعيِّنة في مالِهِ، والزَّكَاةُ جاءت لتدفَعَ الشحَّ، وتُغنِيَ الفقيرَ، وتَسُدَّ حاجَتَهُ فنُطعِمَهُ وتَكْسُوَهُ، وإسقاطُ الدَّيْنِ قد يكونُ يأسًا منه، فلا يظهَرُ فيه دَفعُ الشُّحِّ، ولا يَظهَرُ في إسقاطِهِ سدُّ حاجتِهِ في طعامٍ وشرابٍ ومسْكَنٍ.
وقد يكونُ المَدِين معسرًا لا يجدُ وفاءً يستحِقُّهُ الدائنُ، وربَّما قدَرَ على سدادِ شَطْرِهِ؛ كما في الحديثِ السابِقِ:(خُذُوا مَا وَجَدتُّمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذلك)، فإسقاطُ الدَّينِ قبلَ قضاءِ القاضي يختلِفُ عن إسقاطِهِ بعد قضائِه، فقبْلَ قضائِهِ: بطبُ الدائن مالَة كلَّه، وبعدَهُ: يطلُبُ بعضَه.
وفي إجازةِ جعلِ الزكاةِ مِن الدَّيْنِ تحجيرٌ على الدائنِ فلا يستطيعُ اختيارَ الفقيرِ الأحوَجِ، فهو يُسقِط زكاتَهُ عن دَيْنِهِ لحظِّ نفسِهِ أكثَرَ مِن حظِّ الفقيرِ، وليس هذا مِن مقاصدِ شريعةِ الزكاةِ.
ثمَّ إنَّ النبيَّ ﷺ لم يأمُرْ أصحاب الدَّيْنِ أن يُسقِطُوا زَكاتَهُمْ مِن حقِّهم؛ وهذا أعظَمُ في النفوسِ وأقرَبُ لإجابتِهِمْ مِن تَرْغِيبهِمْ في الإحسانِ بالصدقةِ عليه لإسقاطِ دَيْنِهِمْ في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾، وفي قولِ النبيِّ ﷺ للناسِ:(تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ)؛ أي: على صاحبِ الدَّيْنِ؛ فتصدَّقَ الناسُ عليهِ، فلم يبُلُغْ ذلك وفاءَ دَيْنِه، فقال