وفي إسقاطِ الدَّيْنِ مِنَّةٌ ليست في الزكاةِ، تأخُذُ مِن نفسِ الفقيرِ فتَكْسِرُها، وهذا مَصُونٌ في الشريعةِ.
والزكاةُ مأخوذةٌ، والدَّيْنُ موضوعٌ، والزكاةُ تخرُجُ مِن الغنيِّ امتِثالًا لأمرِ اللهِ، يضَعُها وهو لا يَرْجُوها مِن أحدٍ غيرِ اللهِ، بخلافِ الدَّينِ خرَجَ مِن الغنيِّ وهو يَرْجُو مِن المَدِينِ.
والزكاة قُصِدَ منها طُهْرةٌ للنفسِ الشحيحةِ؛ كما في قولِهِ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، وتطهيرُ المالِ المزكَّى للنفوسِ يختلِفُ عن الدَّيْنِ الذي يُخرِجُهُ مَن يرجو عودتَهُ، وله فيه مِنَّةٌ على المَدِينِ.
وكذلك: فإنَّ الغنيَّ تجبُ عليه الزكاةُ عينًا، وإذا أسقَطَ الدَّيْنَ، فإنَّه يُخرِجُها دَيْنًا, والدَّيْنُ ليس مِن جنسِ العَيْنِ دومًا.
ولو كان إسقاطُ الدَّيْنِ يصحُّ مِن الزكاةِ؛ لم يُغفَل في النصوصِ مع الحاجةِ إليه، ولَعَمِلَ له الخلفاء الراشدونَ وأفتَى به الصحابةُ، ولا يُعلَمُ لهم شيءٌ في هذا.
وثمَّةَ مسألةٌ، وهي: إذا أسقَطَ صاحبُ الدَّيْنِ زكاةَ مالِهِ الذي عندَ المَدِينِ، لا زكاةَ مالِهِ كلِّه، فإذا كان له دَيْنٌ على رجلٍ ألفَ دينارٍ، فأسقَطَ زكاةَ الألفِ وهي رُبْعُ العُشرِ مِن الألفِ، فهو إنَّما أسقَطَ زكاةَ الدَّيْنِ لا زكاةَ مالِهِ، وفي هذا قولانِ للعلماءِ وفي مذهبِ أحمدَ، ورجَّحَ ابنُ تيميَّةَ الجوازَ؛ لأنَّ الزكاةَ مِن جنسِ الدَّيْنِ، فزكَّى مالَهُ وهو دَيْنٌ منه.