للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلِّها على كلِّ أحدٍ؛ ويُؤيِّدُ هذا حديثُ النُّعمانِ بنِ بَشِيرٍ في "الصحيحينِ"؛ قال : (الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (١)، فقال: كثيرٌ، ولم يقلْ: جميعٌ، وقد يُقالُ: إنَّ هذا خاصٌّ بما يُكلَّفُ به العِبادُ عملًا وعبادةً؛ ولذا قال: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ)، فيدخُلُ في المتشابِه مِن أمورِ الأخبارِ والغيبِ ما لا يدخُلُ في التشريعِ حلالًا وحرامًا.

وقد جعَلَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ الحلالَ والحرامَ كلَّه مُحْكَمًا، كما هو ظاهرُ قولِ ابنِ عباسٍ، قال ابنُ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ؛ في قولِه، ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾: ما فيه مِن الحلالِ والحرامِ، وما سوى ذلك فهو متشابِهٌ (٢).

والعطفُ في الآيةِ تشريفٌ للعلماءِ ومَنزِلَتِهم عندَ اللهِ؛ إد عَطَفَهم عليه سبحانَه.

وقال جماعةٌ مِن السلفِ بالوَقْفِ على اسمِ (الله) سبحانَهُ؛ وهو قولُ ابنِ عمرَ، وعائشةَ، وابنِ مسعودٍ، وأُبَيٍّ، ونُقِلَ عن مالكٍ وغيرِه.

والتحقيقُ: أنَّ التشريعَ بالحلالِ والحرامِ لا مُتشابِهَ مطلقٌ فيه؛ لحديثِ النُّعْمانِ؛ لأنَّ اللهَ لا يُكلِّفُ العِبادَ بعملٍ، ثمَّ يجعلُهُ مُتشابهًا عليهم، وأمَّا أمورُ الأخبارِ والغيبِ، فالتشابُهُ المطلَقُ فيها إنْ وُجِدَ فهو نادِرٌ، ويُوكلُ إلى عالِمِهِ وحدَهُ سبحانَه؛ لأنَّ اللهَ قصَدَ في اللفظِ بيانَ معنًى، وما وراءَهُ مِن أمورِ الغيبِ ليس مقصودًا للعقلِ أن يتفكَّرَ فيها، فلا يُسمَّى متشابهًا مطلقًا عليه؛ لأنَّ المُتشابِهَ هو ما يَطلُبُ له العقلُ صورةً أو حقيقةً وتردَّدَ بينَ معنيَيْنِ أو صورتينِ أو أكثرَ بلا مرجِّحٍ، والعقولُ منهيَّةٌ


(١) أخرجه البخاري (٥٢) (١/ ٢٠)، ومسلم (١٥٩٩) (٣/ ١٢١٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ١٩٦)، و"تفسير ابن المنذر" (١/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>