وهذانِ الموضِعانِ مِن القرآنِ أصلٌ في جوازِ القُرْعةِ ومشروعيَّتِها.
والقُرْعةُ في كفالةِ مريمَ: وضعُهُمْ لأقلامِهم على صفةٍ اللهُ أعلمُ بها، فليس في الباب شيءٌ مرفوعٌ، وقال غيرُ واحدٍ مِن السلفِ: إنَّ المرادَ بالأقلامِ أقلامُ الَكتابةِ، وقيل: هي القِدَاحُ، وقيل: هي العِصِيُّ.
فقيل: إنَّهم رمَوُا القِدَاحَ في النهرِ، فانْحَدَرَتِ القِدَاحُ مع جِرْيَةِ الماءِ، وبَقِي قِدْحُ زكريَّا مُرْتَزًّا صاعدًا.
ولا يَقترِعُ الناسُ إلا عندَ التنازُعِ وتساوِي الحقوقِ واشْتِبَاهِها، وقد تَرْجَمَ البخاريُّ على ذلك بقولِه:(باب القُرْعةِ في المشكِلاتِ وقولِ اللهِ ﷿: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾)(١).
وأمَّا عندَ ظهورِ صاحِبِ الحقِّ، فلا قُرْعةَ؛ لأنَّ القرعةَ شُرِعَتْ لرفعِ النِّزاع والخصومةِ، وشُحِّ النفوسِ وطمعِها؛ وهذا لا يكون إلا عندَ تساوِي الحقِّ واشتباهِهِ بينَ مُدَّعِيهِ، وأمَّا عندَ ظهورِ صاحِبِ الحقِّ، فالقرعةُ انتزاعٌ للحقِّ بالباطلِ، وأكلٌ له بغيرِ حقٍّ.
وإنَّما تنازَعَ بنو إسرائيلَ في مريمَ؛ لأنَّها بنتُ سيِّدِهم عِمْرانَ، فكل واحدٍ طَمِعَ في كفالتِها والسبقِ بحضانتِها احتسابًا وَجَاهًا.
والقُرْعةُ جائزةٌ، بل قد تُستحَبُّ وتجبُ إذا كان النِّزاعُ لا يُرفَعٌ إلا