بها، فما لا يُدفَعُ المُحرَّمُ إلا به فهو واجبٌ إذا لم يكنْ محرَّمًا هو في ذاتِه، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجبٌ.
وبجوازِ القُرْعةِ يقولُ السلفُ؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وعن أبي حنيفةَ في ذلك قولانِ:
الأولُ: التحريمُ؛ لمشابهتِها للأَزْلامِ، وبهذا قال أصحابُه، وذهَبَ إلى هذا جماعةٌ مِن الكوفيِّينَ وقالوا بنسخِ القرعةِ.
وقيَّدَه الطحاويُّ: بأنَّ القرعةَ المنسوخةَ: التي تقومُ مقامَ البيِّنةِ القاطعةِ في الأحكامِ، لا القُرْعةُ التي تكونُ لتطييبِ النفوسِ كالقرعةِ بين الزوجاتِ في السفرِ ونحوِ ذلك، وعلَّلَ ذلك: بأنَّه يجوزُ له أنْ يُسافِرَ دونَهنَّ، وليس لهنَّ حقٌّ في أصلِ الصُّحْبةِ، وإذا جاز تَرْكُهنَّ جميعًا، فيجوزُ له أنْ يترُكَ بعضَهنَّ.
وفي هذا الإطلاقِ نظرٌ؛ فإنَّ الزوجاتِ إذا اسْتَوَيْنَ مِن جهةِ القدرةِ على السفرِ والقيامِ بحقِّ الزوجِ فيه، وجَبَ الإقراعُ بينَهنَّ، وإذا اخْتَلَفْنَ في الحالِ، فيُفرَّقُ بينَ المريضةِ والصحيحةِ، ومَن لا تَجِدُ مَن يَخلُفُها في ذُرِّيَّتِها ومَن تجدُ مَن يخلُفُها؛ وهذا قول جمهورِ العلماءِ؛ قال به أبو حنيفةَ على الاستحبابِ، وإلى الوجوب ذهَبَ الشافعيُّ وأحمدُ، وهو أحدُ أقوالِ مالكٍ، وقد فعَلَهُ النبيُّ ﷺ مع أنَّ القَسْمَ عليه ليس بواجبٍ على الأصحِّ، وهو على غيرِه واجبٌ؛ لأنَّ السفرَ بواحدةٍ منهنَّ بلا قرعةٍ ميلٌ وتفضيلٌ ومدعاةٌ للخصومةِ والنزاعِ وقطيعةِ الأرحامِ بينَ الذُّرِّيَّةِ.
ومَن أقرَعَ بينَ نسائِهِ، فسافَرَ بواحدةٍ منهنَّ، لا يجبُ عليه أنُ يَقْسِمَ لمَن غاب عنهنَّ مِثْلَ أيامِ سفرِه؛ لأنَّه لا معنى للقرعةِ إذًا، فهي تَفصِلُ في الحقوقِ المشترَكةِ، ومَن أخَذَ واحدةً بلا قرعةٍ، وجَبَ عليه أن يَقسِمَ لمَن غابَ عنهنَّ مِثلَ أيامِ سفرِهِ أو يَتَحَلَّلَ منهنَّ.