ومنه يُؤخَذُ جوازُ إفصاح أهلِ المالِ عن مُدَّخَرَاتِهم مِن مالٍ وطعامٍ وعقارٍ وغيرِه، ووجوبُ الإفصاحِ عندَ الحاجةِ؛ وذلك فيمَن يشتبهُ به السرقةُ أو الرِّشْوةُ، أو في زمنِ ضعفٍ وكثرةِ الولاياتِ وتعدُّدِها وكثرةِ الوُلاةِ عليها ممَّن يُخشَى على بيتِ المالِ منهم، فيُفصِحونَ عن أموالِهم؛ حتى تُحفَظَ أموالُ المسلِمينَ، وأنَّ كشْفَها والإخبارَ عنها ليس ممَّا يُعابُ أو يُعزَّرُ مَن فعَلَه إلا إنْ كان على سبيلِ التشهيرِ والازدراءِ والتنقُّصِ؛ وذلك لأنَّ المالَ الحلالَ لا يُعابُ ولا يُستحْيَا مِن كسبِه؛ وإنَّما يُخشَى ويُستحيا مِن الكسبِ الحرامِ.
بيَّنَ اللهُ حالَ نبيِّه عيسى لنبيِّه محمدٍ ﷺ؛ فبيَّنَ نَسَبَهُ ونسَبَ والدتِه ونشأتَه ومُعجزاتِه؛ ليكونَ على بيِّنةٍ مِن أمرِ المُفْتَرِينَ عليه, ولِيَظهَرَ عِلمُ نبيِّه عندَهم بتفاصيلِ ما يُخْفُونَ وما يَجهَلون, فلم يَعِشِ النبيُّ وَسَطَ أهلِ الكتابِ, ولم يكنْ منهم, وعِلمهُ بدقائقِ نشأةِ عيسى وأُمِّه ومعجزاتِه لا منفذَ له إلى ذلك إلا بوحيِ الخالقِ؛ فالخالقُ أَعلمُ بما خَلَق.
ثمَّ ذكَرَ اللهُ أنَّهم يُجادِلونَ ولا ينقَطِعونَ عنادًا إلا بالمُبَاهَلَةِ إنِ انقطَعوا, وقد أمَرَ اللهُ نبيَّه ﷺ أنْ يدْعُوَهم إلى الاجتماعِ للمُباهَلةِ, فذكَرَ حالَ اجتماعهم: الأبناءُ مع الأبناءِ, والنساءُ مع النساءِ, والرجالُ مع الرجالِ, وفي هذا بيانٌ لحالِهم وحالِ اليهودِ في استقامةِ الفِطْرةِ في تمايُزِ الجنسينِ الرجالِ والنساءِ في المَجالِسِ والمَجامِعِ, فالصِّغارُ يُفارِقُونَ