الأولُ: إذا كان في المسلِمينَ عجزٌ عن الاستقلالِ بأنفسِهم في قتالِ كفارٍ مُعتدِينَ أو مُتربِّصِينَ.
الثاني: إذا كان المسلِمُونَ أهلَ حَلٍّ وعَقْدٍ في أمرِ الحَرْبِ، وهم رأسُ الأمر، والكفارُ لهم تَبَعٌ؛ كالأجَرَاءِ عندَ السيِّدِ.
الثالثُ: أنْ يكونَ عددُ الكفارِ قليلًا؛ فلا شَوْكةَ لهم مُنفَرِدِينَ في الحربِ؛ حتى لا يَأتُوا أهلَ الإسلامِ على غِرَّةٍ عندَ النصرِ؛ فيَستَبِيحُوا حُرُماتِهم.
الرابعُ: أنْ يكونَ الكافرُ المستعانُ به مأمونَ الأمر، لا يُعرَفُ بخيانةٍ ولا مخادعةٍ؛ فيُفشِي سرًّا للعدوِّ فيتضرَّرُ المسلِمونَ بذلك.
وأمَّا قولُ النبيِّ ﷺ في غزوةِ بدرٍ:(فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)، فهذا لانتفاءِ بعض تلك الشروطِ؛ فهو واحدٌ لا يُحتاجُ إليه، وفي المسلِمِينَ غُنْيَةٌ وكفايةٌ عنه؛ ويُؤيِّدُ هذا أنَّ النبيَّ ﷺ قد استعانَ بالكفارِ بعدَ ذلك؛ كاستعانتِهِ بيهودِ بني قَيْنُقَاعَ وقد قَسَمَ لهم، واستعانَ بصفوانَ بنِ أُمَيَّةَ في هَوَازِنَ، فلا يُقالُ بنسخِ حديثِ غزوةِ بدرٍ لأخبارِ خَيْبَرَ وحُنَيْنٍ وهي بعدَها.
والأمرُ مقرونٌ بالسياسةِ والحاجةِ، والضرورةُ يَحْكُمُها أهلُ العلمِ بحَسَبِ النوازلِ واختلافِها، وقد كان النبيُّ ﷺ في أولِ أمرِه يَستَنصِرُ بكافرٍ على كافرٍ؛ لعدمِ وجودِ المسلِمِ المُعِين، كانتصارِهِ بعمِّه أبي طالبٍ على قريشٍ، وكلُجُوءِ الصحابةِ إلى النجاشيِّ وكان نصرانيًّا مِن أذيَّةِ قريشٍ؛ لعدمِ وجودِ مسلم يُعِينُ، وقد استأجَرَ النبيُّ ﷺ الدليلَ الكافرَ كما في هِجْرَتِه، وهذا تَحْكُمُهُ الحاجةُ والعلمُ والديانةُ، لا الأهواءُ واتِّخاذُ الكافرينَ أولياءَ.