كان أهلُ الجاهليَّةِ يتبايَعونَ إلى أجَلٍ، فإذا أعسَرَ المشتري، فإنهم يَزيدُونَ في الأجَلِ، ثمَّ يَزيدُونَ في الدَّيْنِ، وَيزيدُونَ في الدَّيْنِ كلَّما زادُوا في الأجَلِ؛ وهذا كما أنَّه عندَهم في البيوع، كذلك يفعَلُونَهُ في القُرُوضِ.
فأمَّا البيوعُ: فمَنْ بايَعَ رجلًا إلى أَجَلٍ بقيمةِ كذا، لَزِمَتْهُ القيمةُ في ذلك الأجَل، وإنْ طلَبَ الإمهالَ، فلا يُزادُ في القيمةِ؛ لأنَّ ذلك رِبًا، فالزِّيادةُ جاءتْ على الثمنِ الباقي في ذِمَّةِ المشتري حتى وإنْ كان أصلُ العقدِ بيعًا؛ لأنَّ القيمةَ تَحَوَّلَتْ إلى دَيْنٍ في الذِّمَّة، فيجوزُ التواطُؤُ على قيمةٍ للأجَلِ عندَ عقدِ البيع، ولا يجوزُ الزيادةُ في الدَّين، كلَّما زادَ الأجَلُ بعدَ العقدِ؛ كما كان يفعل أهلُ الجاهليَّةِ عندَ تبايُعِهم إلى أجَلٍ، فيَخْرُجونَ عن حدِّ المُباحِ عندَ العقدِ إلى الزِّيادةِ عليه؛ كلَّما زادَ الأجَلُ بعدَ العقدِ، فيَضُرُّ بالمُعسِرِ كلَّما تأخَّرَ، وقد أرشَدَ اللهُ في ذلك إلى الإِنْظَارِ وأثابَ عليه.
فقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ المُنذر، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ قال: كانت ثقيفٌ تَدَّايَنُ في بَنِي المُغيرةِ في الجاهليَّة، فإذا حَلَّ الأجَلُ، قالوا: نَزِيدُكم وتُؤخِّرونَ؟ فنزَلَتْ: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ (١).
لأنَّ الزيادةَ في ذلك إدخالٌ لعقدٍ على عقدٍ آخَرَ، وبيعُ البائعِ الأولِ سلعةً لا يَملِكُها؛ لحيازةِ المشترِي لها، فهو يَملِكُ قيمةً ليستْ مقبوضةً بيدِه ولا قادرًا على تسليمِها لو أرادَ إقراضَها لغيرِ المشترِي لسلعتِه التي
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٠)، و"تفسير ابن المنذر" (١/ ٣٧٨).