للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهُ)، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسَه؟ قال: (يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) (١).

والناسُ يَتفاوَتُونَ في طبائِعِهم وعزائِمِهم؛ فربَّما يكونُ الأذى واحدًا، يَقْدِرُ عليه واحدٌ، ويَعْجِزُ عنه الآخَرُ، فيَخْتَلِفُونَ في القوَّةِ الباطنة، كما يَختلِفونَ في القوَّةِ الظاهرةِ.

* * *

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: ١٥٥].

في الآيةِ: وجوبُ الجهادِ عندَ استنفارِ الإمامِ وعندَ دَهْمِ العدوِّ، ويحرُمُ التولِّي والقعودُ في مثلِ هذه الحالِ؛ ولذا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: ٣٨]، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عباسٍ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا) (٢).

والآيةُ نزَلَتْ في غزوةِ بَدْرٍ في تَخَلُّفِ بعضِ الصحابةِ عن أمرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ حيثُ طَلَبَ مَنهم البقاءَ في أماكنِهم فخالَفُوه، والمنافِقونَ تخلَّفُوا عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن نصفِ الطريقِ قبلَ رؤيةِ العدوِّ، وكِلا الأمرَينِ محرَّمٌ.

ويَظهرُ التحريمُ في الآيةِ في موضعَيْنِ:


(١) أخرجه أحمد (٢٣٤٤٤) (٥/ ٤٠٥)، والترمذي (٢٢٥٤) (٤/ ٥٢٣)، وابن ماجه (٤٠١٦) (٢/ ١٣٣٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٨٣٤) (٣/ ١٥)، ومسلم (١٣٥٣) (٢/ ٩٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>