الثاني: في قولِه: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾؛ فلا يُعفَى إلا عن خطأٍ أو إثمٍ.
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ لا يَحْرِمُ عبدَهُ مِن عملِ الخيرِ ومباشَرةِ البِرِّ إلا بذنبٍ؛ كما في قولِه: ﴿اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقد روى ابنُ جريرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ؛ في قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ الآيةَ: "وذلك يومَ أُحُدٍ، ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ تَوَلَّوْا عن القتالِ وعن نبيِّ اللهِ يومَئذٍ، وكان ذلك مِن أمرِ الشيطانِ وتخويفِهِ؛ فأنزَلَ اللهُ ﷿ ما تَسْمَعُونَ: أنَّه قد تجاوَزَ لهم عن ذلك وعَفَا عنهم"(١).
وكلَّما كان المسلِمونَ مِن العدوِّ أقرَبَ، كان إثمُ التولِّي أعظَمَ؛ لأنَّ التولِّيَ يُخِلُّ بمواضعِ قوةِ الجيشِ؛ فلا يَملِكُونَ إعادةَ سياستِهم وخُطَطِهم إذا الْتَحَمُوا، بخلافِ ما لو كان التولِّي في أولِ الطريقِ أو في أوسطِه.
نزَلَتْ هذه الآيةُ في قَطِيفَةٍ فقَدَها الناسُ، فظَنُّوا أنَّ النبيَّ ﷺ أخَذَها؛ كما رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ، عن ابنِ عباسٍ ﵄؛ قال: "نزَلَتْ هذه الآيةُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ في قطيفةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَت يومَ بَدْرٍ،