ثمَّ بعدَ العقدِ والدخولِ تَكُونُ النفقةُ والكِسْوةُ عليها وعلى ذريَّتِها منه؛ فقال: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء: ٥].
ثمَّ بيَّنَ حالَ الوصيَّةِ وحذَّرَ مِن أسبابِ الحَيْفِ فيها.
وهذا تسلسلٌ وإحكامٌ لا يُفهَمُ ما بعدَهُ إلا به، وعدلُ اللهِ في الأموالِ ملازِمٌ؛ لا يُفهَمُ أوَّلُهُ إلَّا بفهمِ آخِرِه، ولا يُفهَمُ أوسَطُهُ إلا بفهمِ أوَّلِهِ وآخِرِه.
وقد تشبَّثَ بعضُ أهلِ الأهواءِ مِن الملاحِدةِ وبعضُ النصارى طعنًا في الشريعةِ: أنَّ إعطاءَ الابنِ ضِعْفَ ما للبنتِ ليس مِن العدل، وفَصَلُوها عمَّا قبلَها بن الآياتِ التي تُوجِبُ على الرجلِ القيامَ على الأُنثى؛ فإنْ كانتْ صغيرةً أو كبيرةً بلا زوجٍ، أنفَقَ عليها: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء: ٥]، وهي في الصِّغار والنساءِ بالاتِّفاقِ ولو كانتِ المرأةُ كبيرةً، وأمَّا الرجُلُ لو كَبِرَ فيجبُ عليه العمل والتكسُّبُ بخلافِ المرأة، وإنْ تزوَّجَت، وجَبَ على الرجُلِ أنْ يُعطِيَها صداقَها، فهو على الرجُلِ لها، لا عليها له: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: ٤]، ثم يُنفِقُ عليها بعدَ ذلك إلى موتِها أو موتِه، فكان الوريثُ الذَّكَرُ أحوَجَ للمالِ مِن الأُنثى؛ لأنَّ الأُنثى استعاضَتْ نفقةً وكفايةً قبلَ ذلك، ولا تَستقبِلُ مِثْلَها في حياتِها؛ لأنَّها في ولايةِ وكفالةِ غيرِ والدِها كزوجِها أو ابنِها، بخلافِ الذَّكَرِ؛ فهو يَستقبِلُ نفقةً على غيرِهِ مِن أبنائِهِ وبناتِهِ وغيرِهم، والأُنثى لا تجبُ عليها النفقةُ على أحدٍ، ولو كانت غنيَّةً، ووليُّها أقَلَّ منها مالًا، وجَبَ عليه أنْ يُنفِقَ عليها، لا أنْ تُنفِقَ عليه؛ فالأُنثى مكفولةٌ قبلَ الميراثِ وبعدَه، والذَّكَرُ بخلافِها؛ لهذا كان نصيبُهُ في الميراثِ أكثَرَ منها.
والمرأةُ لا تدخُلُ في كثيرٍ مِن التكاليفِ الماليَّةِ والغراماتِ؛ فلا تدخُلُ في عاقِلَةِ الرجُلِ عندَ الدِّيَة، ولا تَضْمَنُ على ولدِها لو أفسَدَ مالَ غيرِه؛ وإنَّما ذلك على الأولياءِ الرِّجَالِ.