للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن نَظَرَ إلى هذه الآيةِ وفَصَلَها عن انتظامِها في الشريعةِ؛ كما في هذه السورةِ، لم يَفهَمْ إحكام الشريعةِ وعَدْلَها ودِقَّتَها.

واللهُ قدَّمَ الأولادَ على غيرِهِمْ في الذِّكْرِ والحقِّ في المواريثِ؛ لأنَّهم أَوْلى الناسِ بمالِ أبيهِم بعدَ موتِه، وإنْ كان الآباءُ والأمَّهاتُ أحَقَّ بالبِرِّ؛ ولكنَّ المواريثَ حَقٌّ ماليٌّ يتعلَّق بالحاجةِ لا بالبِرِّ الذي يفعَلُهُ الولدُ في حياتِه؛ فذاك انقطَعَ بموتِهِ عن والدَيْه، والميرِاثُ يحتاجُ إليه الأولادُ أكثَرَ مِن الوالدَينِ؛ لأنَّ الوالدَينِ استقَلَّا واكْتَفَيَا، وغالبًا ما يكونُ العمرُ الباقي منهما أقَلَّ من العمرِ الباقي مِن أولادِ الميِّتِ؛ فالأولاد يَستقبِلونَ حاجةً أشدَّ مِن حاجةِ الوالدَين، فقُدِّمُوا لهذا الأمر، وقد يكونُ الأولادُ قُصَّرًا ضِعافًا، والوالدُ كبيرًا شديدًا.

والوالدانِ سبَقَا الولدَ الميِّتَ بكفايةِ نَفْسَيْهما، والإخوةُ قارَنَا الأخَ الميِّتَ بكفايةِ أنفُسِهم غالبًا، والأولادُ يَقصُرُونَ عن الوالدَيْنِ والإخوةِ في كفايةِ أنفُسِهم؛ لهذا كانوا أحَقَّ بالإرثِ.

وقد قدَّمَ اللهُ الأولادَ، ثمَّ ثنَّى بالوالدَيْنِ؛ لأنَّهما أحَقُّ مِن الإخوةِ؛ لحاجتِهما لغلَبةِ الكِبَرِ والضَّعْفِ، بخلافِ الإخوةِ.

وقولُ الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}؛ الوصيَّةُ أمرٌ مِن اللهِ وفرضٌ منه بلا خلافٍ؛ فاللهُ ختَمَ هذه الآيةَ بقوله {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}.

وقولُه تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}.

ذَكَرَ اللهُ الذُّكُورَةَ والأُنُوثَةَ، ولم يَذْكُرِ الرجالَ والنساءَ؛ لِيَدْخُلَ في ذلك الصغيرُ والكبيرُ مِن الجنسَيْنِ، ولا فرقَ بينَ رضيعٍ وشيخٍ كبيرٍ، ولا فرقَ بينَ مجنونٍ وعاقلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>