ثمَّ قال تعالى ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾؛ أيْ: أحَلَّ الله لكم غيرَ ما ذُكِرَ، وما كَتَبَ عليكم تحريمَهُ.
وبقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ توقَّفَ بعضُ الصحابةِ والتابِعينَ في تحريمِ الجمعِ بينَ الأُختَيْنِ الأَمَتَيْنِ بالوطءِ, وقالُوا:"أحَلَّتْهُما آيةٌ" يَعْنُونَ هذه الآيةَ، "وحرَّمَتْهُما آيةٌ"؛ يعني: الآيةَ السابقةَ في قولِه تعالى منها: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣].
وتقدَّمَ الكلامُ على ذلك.
وفي الآيةِ: جوازُ نِكاح النِّساءِ ولو تبايَنَتْ أعمارُ الزوجَيْنِ؛ فيجوزُ أنْ يتزوَّجَ الكبيرُ الصغيرةَ، وأنْ يتزوَّجَ الصغيرُ الكبيرةَ؛ فاللهُ فَضَّلَ الحرامَ، وأجمَلَ الحلالَ، وكلُّ ما لم يُفَصِّلْهُ اللهُ ويحرِّمه، فهو مِن الحلال، وفي الآيةِ حِلُّ نِكاحِ المَوَالِي مِن الحرائر، والأحرارِ مِن الإماء، وأنَّ الناسَ يَسْتَوُونَ في بابِ النِّكاحِ في النَّسَبِ؛ إذْ لا اعتبارَ بتفاوُتِ الأَنْسَابِ والأَحْسَابِ في صِحَّةِ النِّكاح، وإنْ كانَتِ المَفاسِدُ تَلْحَقُ الزوجَ أو الزوجةَ وأهلَهما مِن ذلك، فيُنهى عن ذلك، ولا يُحرَّمُ لِذَاتِه.
وقولُه تعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ فيه إشارةٌ إلى القُدْرةِ الماليَّةِ في الرجُل، وأنْ يكونَ مُرِيدًا للإحْصَانِ والعَفافِ له أو لزَوْجِهِ.
وفي هذا وفي قولِه تعالى بعدَ ذلك: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ دليلٌ على وجوبِ المهرِ في النِّكَاح، وتقدَّمَ الكلامُ على المهرِ وأحكامِهِفدي سورةِ البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [٢٣٧]، وفي أولِ سُورةِ النِّساءِ عندَ قولِه تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [١].