للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الأُولى: الوعظُ بينَه وبينَها.

الحالةُ الثانيةُ: الهجر، وخَصَّهُ اللهُ في المَضْجَعِ؛ يعني: الفِراشَ، فلا يَهْجُرُها في المبيتِ كلِّه ويدَعُ الدارَ ويترُكُها أو يُخرِجُ المرأةَ مِن بيتِه؛ وإنَّما يكونُ معها في فِراشِها ويُولِيهَا ظَهْرَهُ؛ قاله عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عبَّاسٍ والشَّعْبيُّ والحسنُ وقتادةُ وعامَّةُ السلفِ (١)؛ وذلك ليكونَ أقرَبَ لعودةِ النفوسِ ومراجعتِها، وأبعَدَ عن وسواسِ الشيطانِ بالخَلْوةِ.

ومِن السلفِ: مَن جعَلَ الهجرَ هنا هجرَ الكلامِ والحديثِ والمُؤانَسَةِ به، لا هَجْرَ الجِمَاعِ.

ومنهم مَن قال: هو هجرُ المؤانسةِ والجِماعِ جميعًا.

وبالأولِ قال ابنُ عبَّاسٍ وعِكْرِمةُ والضحَّاكُ.

والثاني روايةٌ أُخرى عن ابنِ عبَّاسٍ.

والهجرُ لا يكونُ فوقَ ثلاثٍ؛ لعمومِ النهي؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديتِ أنسٍ؛ قال : (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) (٢).

وله أنْ يَهْجُرَ ثمَّ يَصِلَ ثمَّ يهجُرَ؛ إنْ قام مُوجِبُ الهجرِ وطال، ورأَى أنَّ الهجرَ يُصلِحُها لو طال، وظاهِرُ الآيةِ: أنَّ الهجرَ هنا هجرٌ لا يُسقِطُ الحقوقَ، فيَهجُرُ كلامَهُ معها المُشعِرَ بالمُؤانَسَةِ والقُرْبِ والرضا، ويُكلِّمُها في الضروراتِ والحاجات، لا هجرًا تامًّا؛ ولذا قيَّدَ الهجرَ بالمَضاجِعِ: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾، مع أنَّ الرجُلَ يُخالِطُ زوجتَهُ في غيرِ المَضجَعِ أكثَرَ، وفي ذلك إشعارٌ بهجرِ المؤانَسَة، وعندَ الحاجةِ لهجرِ الجِماع يهجُرُ به.

الحالةُ الثالثة: الضَّرْبُ؛ ولا يَصِيرُ إلى حالةٍ حتى يأتيَ لما يَسبقُها؛


(١) ينظر: "تفسير الطبري" (٦/ ٧٠٠)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٩٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٤٢).
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٦٥) (٨/ ١٩)، ومسلم (٢٥٥٨) (٤/ ١٩٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>