للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ اللهَ رتَّبَ ذلك بقولِه: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾، والفاءُ للتعقيب، وبينَ كلِّ حالةٍ والتي تَلِيها ما يَكفِي لوجودِ أثرِها؛ ولذا قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: "يَعِظُها، فإنْ فعَلَتْ؛ وإلَّا هَجَرَها"؛ أخرَجَه ابنُ المُنذِرِ (١).

وظاهرُ قولِ الشافعيِّ: الترتيبُ إلا للحاجةِ؛ فيجوزُ الجمعُ بينَ العِظَةِ والهجرِ والضربِ.

وليس المرادُ بالضربِ: المبرِّحَ الذي يُوجِعُ وَيَجرَحُ ويَكسِرُ ويُفسِدُ العُضْوَ؛ وإنَّما ما يَثْبُتُ معه التذكيرُ بالقِوامةِ؛ كالضَّرْبِ بالسِّواكِ ونحوِه؛ قاله ابنُ عبَّاسٍ وعطاءٌ (٢).

وأمَّا المرتبةُ الثانيةُ: فهي معالجةُ نُشُوزِ المرأةِ خارجَ بيتِ زوحِها؛ وذلك بالسَّعْي بالإصلاحِ مِن الأَوْلياء، وبعثِ الحَكَمَيْنِ مِن أولياءِ الزوجَيْنِ؛ كما يأتي في الآيةِ التاليةِ.

والسُّنَّةُ: ألَّا يُصارَ إلى مرتبةٍ حتى يُؤتى بالأُولى.

قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ أيْ: لو رجَعَتِ الزوجةُ عن نُشُوزِها ومَنْعِ الزوجِ حقَّه منها كفِرَاشِه، فلا يجوزُ له أنْ يستمِرَّ في وعظِهِ كالمُعَيِّرِ لها لَيَكسِرَها، أو هَجْرِهِ وضَربِهِ ليُؤذِيَها ويَضُرَّها؛ لأنَّ التائبَ كمَن لا ذنبَ له، فلا يجوزُ المؤاخذةُ بما تِيبَ منه.

* * *

قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: ٣].

الشِّقاقُ هو النِّزاعُ والخُصومةُ التي يَغلِبُ على الظنِّ عدمُ علاجِها


(١) "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٩٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٧١١)، و"تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٩٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>