للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ، الذين آمَنُوا بالنبيِّ ، وعَجَزُوا عن الهجرةِ، وحبسُوا عنها، فبقاؤُهم بمكةَ اضطرارٌ لا اختيارٌ؛ ولذا سماهم الله المُستضعَفِين؛ أيِ: المغلوبَ على قوَّتِه وحريَّتِه واختيارِه، ثم قال في وَصفِهم وبيانِ قَهْرِهم وغَلَبَتِهم: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، فهم يتربَّصونَ الهجرةَ وحُبِسُوا عنها، فنصْرةُ المستضعفينَ واجبةٌ، وهي مِن القِتالِ في سبيلِ اللهِ كما سمَّاها اللهُ، والجهادُ تتعددُ أسبابُهُ وتتنوعُ، وكلُّ قتالٍ كان في إحقاقِ الحقِّ، ودفعِ الظُّلْم، وإقامةِ العدلِ الذي أمَرَ اللهُ به، فهو جهادٌ في سبيلِ الله، وكلُّ مجاهِدٍ على نيته وقصدِه؛ فإن الله سمى الدفعَ عن الأرضِ والأهلِ والذريةِ قتالًا في سبيلِه؛ فقال: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة: ٢٤٦].

وسمَّى اللهُ الدفعَ بأنواعهِ بالقتالِ في سبيلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠]، وسمَّى القتالَ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ على الكافرينَ قتالًا في سبيلِ اللهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩].

وفي آيةِ البابِ قال مجاهدٌ: "أمَرَ المؤمنينَ أن يُقاتِلُوا عن مُستضعفينَ مؤمنينَ كانوا بمكةَ" (١).

قال ابن عباسٍ: "كُنتُ أنَا وَأمِّي مِنَ المُستضعفِينَ؛ أنَا منَ الْوِلْدَان، وَأمِّي مِن النساء"؛ رواهُ البخاري (٢).

ثم نَسَبَ اللهُ الظُّلْمَ لأهلِ مكَّةَ لا لمكةَ، وكنَّى عنها بالقريةِ تعظيمًا لها، وقد سمَّاها في مواضعَ بالبلدِ الأمين، والحَرَم، وبَكةَ، وأمِّ القُرى.


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٢٦)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٩١)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٠٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٥٧) (٢/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>