للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْدِيَكُمْ}؛ لأنَّه قد يُهزَمُ المؤمِنُ الصادِقُ؛ لِضَعْفِ عُدَّتِه، وقلةِ عَدَدِه، مِن الكافرِ الظالمِ؛ لقوةِ عُدَّتِه، وكثرةِ عَدَدِه؛ لأنَّ اللهَ الذي أنرَلَ الأسبابَ الشرعيَّة، هو الذي أوجَدَ الأسبابَ المادِّيَّةَ، والأخذُ بهما مِن الإيمانِ باللهِ، وليس المأمورُ به مساواةَ العدوِّ بالعَدَدِ والعُدَّةِ أو غَلَبَتَهُ بها؛ بل أنْ يكونَ في المُسلمينَ قوةُ عُدَّةٍ وكثرةُ عَدَدٍ، يَقْوَوْنَ بإيمانِهم مِن غَلَبَةِ العدوِّ ولو كان أكثَرَ منهم.

والأسبابُ الشرعيَّةُ كثيرةٌ؛ أصلُها الإيمانُ بالله، والتزوُّدُ بالعملِ الصالحِ؛ فإنَّ العباداتِ تُثَبِّتُ عندَ الشدائدِ، وقد كان الله يأمُرُ بها كلَّ نبيٍّ، فلا يكونُ الاستِخلافُ والتمكينُ إلَّا لمَن أطاعَهُ وعدَلَ مع خَلْقِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: ٥٥].

وبمقدارِ الإيمانِ والطاعةِ يكونُ الاستخلافُ والتمكينُ، والطاعةُ هي الحضوعُ للهِ والتذلُّلُ لأمرِه، وهي باعتبارِ التمكينِ والنصرِ على نوعَيْنِ:

الأوَّلُ: طاعةٌ في حقِّ اللهِ الخالِصِ كتوحيدِهِ وعبادتِه؛ مِن صلاةٍ وصيامٍ، وحجٍّ وعُمْرةٍ، وذِكْرٍ وبِرٍّ؛ فهذا النوعُ وعَدَ الله الأفرادَ والجماعاتِ التي تقومُ به بالعِزَّةِ والرِّفعة، وهي في الأفرادِ آكَدُ وأقرَبُ وأشدُّ مِن الجماعاتِ؛ فالفردُ موعودٌ بسَعَةِ الصدرِ واليقينِ والثباتِ والرِّضا، وكلَّما استزادَ مِن العبادة، زادَهُ الله مِن وَعْدِهِ له بذلك؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]، والحياةُ الطيِّبةُ شاملةٌ للدُّنيا والآخِرة، كما في قولِه تعالى في ضدِّ ذلك؛ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤].

وكذلك: فإنَّ الجماعاتِ المؤمِنةَ باللهِ يجعَل اللهُ لها من الرحمةِ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>