النوعُ الثَّاني: طاعةُ اللهِ في حقِّ العِبادِ؛ مِن إقامةِ الحدود، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ورفعِ الظُّلْمِ والجَورِ الذي أوجَدَ الله في الفِطْرةِ نُفُورًا منه، فلا يُمَكِّنُ اللهُ لدولةٍ مؤمنةٍ به ظالمةٍ لخَلْقِه؛ لأنَّ حقَّ اللهِ يُؤَجِّلُهُ في الآخِرة، وحَقَّ عِبادِه يُعَجِّلُهُ في الدُّنيا، وهذا مُقتضى عدلِه في الخَلْقِ، فيُمَكِّنُ للحاكِم العادلِ مع الخَلْقِ ولو كان كافرًا بالخالق، ولا يُمكِّنُ للحاكِمِ الظالمِ مع الخَلقِ ولو كان مؤمنًا بالخالقِ.
والأسبابُ الشرعيَّةُ - وخاصَّةً العباداتِ - أن غابتْ من القلبِ واللِّسانِ والجوارحِ، لم يكن للإنسانِ تعلُّقٌ بربِّه، ولم يكنْ رَبُّهُ مُعِينًا له؛ لهذا يكونُ ميزانُ النصرِ ماديًّا كونيًّا فقطْ؛ إذْ لا عَوْنَ ربانيًّا له، وإذا وُجِدَتِ الأسبابُ الشرعيَّةُ، عَوَّضَتِ النقصَ والتفاوُتَ الكونيَّ المادِّيَّ بينَ أهلِ الحقِّ وأهلِ الباطلِ؛ حتَّى ربَّما ينتصِرُ أهل القِلَّةِ الشديدةِ على أهلِ الكثرةِ الكبيرة، والحدُّ الفاصلُ في ذلك: مرهونٌ لاعتبارِ الموجودِ والمفقودِ مِن السببَينِ الشرعيِّ والكونيِّ، ووزنُ ذلك بما لا يخرُجُ عن الوحي والحسِّ، فمَراتبُ النَّاسِ تبايَنُ؛ فقد تَقوَى الأسبابُ الشرعيَّةُ جِدًّا حتَّى يَكونَ أدنى الأسبابِ الكونيَّةِ وأقلُّها معها كافيًا في النصرِ؛ كمُوسَى وعَصَاهُ؛ فإنَّ اللهَ نَصَرَهُ بها، وليس كلُّ الناسِ كمُوسَى، وموسى لو لم يُؤمَرْ مِن ربِّه بالاكِتفاءِ بالعَصَا، لم يَكْتَفِ بها؛ فإنَّ الإنسانَ مأمورٌ بالمُوازَنةِ ينَ الأسبابِ الكونيَّةِ والشرعيَّةِ.