وذلك أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بدأَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ آياتُ الحدودِ والعقوباتِ والعقودِ في القرآنِ والسُّنَّة، وجماعةٌ مِن أصحابِه في الحبَشة، ولا يُقامُ فيها حُكمُ الله، فلم يأمُرُهُم بتَرْكِ الحبَشةِ واللِّحَاقِ به في المدينة، ولمَّا جاءَ جعفرٌ ومَن معَهُ بعدَ خَيْبَرَ مِنَ الحبَشةِ إلى المدينةِ في السنةِ السابعةِ مِن الهجرة، لم يُنكِرْ عليهم تأخُّرَهم، وقد بَقُوا في الحبشةِ بعدَ بَدْءِ نزولِ آياتِ الحدود والعقودِ أعوامًا.
ولأنَّ الأحكامَ تتعلَّقُ بالأفرادِ غالبًا، وتعلُّقُها بالجماعاتِ نادرٌ؛ كالقَسَامَةِ وشِبْهِها، والتلبُّسُ لها قليلٌ في الأفراد، ويتمكَّنُ المؤمنُ ممَّا تَعُمُّ به البَلْوى أنْ يُقِيمَهُ ويَقضِيَ به عَلَى نفسِهِ ومَن معَه؛ كعُقُودِ النِّكاحِ والمواريثِ، والطَّلاقِ والعِدَد، والمعامَلاتِ؛ فهو قادرٌ غالبًا عَلَى عدمِ التلبُّسِ بالحُكْمِ المخالفِ لحُكمِ اللهِ.