فلا يَسْلَمُ مِنها جمهورُهم، فلا ينبغي أن يكونَ في وجوبِ الهجرةِ مِن تلكَ البلدِ خلافٌ، ولو كان أكثرُ أهلِها مُسلِمِينَ.
وأمَّا الحاكمُ المشرِّعُ غيرَ شرعِ الله، المُحلِّل لِمَا حرَّمَ اللهُ، والمحَرِّمُ لِمَا أحَلَّ اللهُ، فليس بمسلمٍ تُنْزَّلُ عَلَيْهِ نصوصُ ولاةِ الأمرِ في الإِسلام، ويجبُ عَلَى المُسلِمينَ عزلُهُ إنْ قَدَرُوا عيه، وإن عَجَزوا فلا بيعةَ له وإن نزَلُوا تحتَ سُلْطانِه وتغلُّبِه.
ولا يجبُ عليهم أن يتحوَّلُوا عن أرضِهم لأجلِه؛ بشرطِ أنْ يُظهِروا الدِّينَ، ويُقيموا شَعائِرَهم في أرضِهم، ويأمُروا بالمعروفِ ويَنهَوْا عن المُنكَرِ.
وقد تجبُ الهِجْرةُ عَلَى قومٍ أو أفرادٍ مِن بلدٍ دون غيرِهم إلى بلدٍ آخرَ يَحفَطُ دينَهم، ويُظهِرونَ فيه الشعائر؛ لأنَّهم خُصُّوا بالأذيَّةِ والقهر، كما أمَرَ النبيُّ ﷺ مَن معَهُ في مَكَّةَ بالهجرةِ إلى الحبشة، ولم يخرُجْ هو وآخَرونَ معَه؛ لأنَّه يجدُ له مَنَعةً مِن ربِّه، وشوكةً مِن قومِه؛ كبني هاشمٍ، فأمَرَ بعضَ مَن لا يجدُ منَعةً بالهجرة، ممَّن يَنالُهم العذابُ ومَن قد تَصِلُ إليهم يدُ المشرِكينَ، فخرَجَ في شهرِ رجبٍ بعدَ البعثةِ بخمسِ سنينَ؛ عثمانُ بنُ عفَّانَ وزوجتُهُ رُقَيَّةُ بنتُ رسولِ اللهِ ﷺ في بِضْعةَ عشَرَ رجلًا وامرأةً، فتَبِعَتْهم قريشٌ إلى البحرِ لمَّا علِمَت بهم، فرَكِبُوا السفينةَ قبلَ أن يُدْرِكُوهم.
وسبَبُ هِجْرتِهم: حفظُ دينِهم، وإقامةُ شريعتِهم، وعِصْمةُ دمائِهم؛ فما كانوا يَستطيعونَ الصلاةَ عدَ البيت، فأرادُوا إقامةَ الدينِ وحِفْظَ الأنفُسِ؛ كما قالتْ أمُّ سلَمةَ؛ "لمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الحَبَشَة، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمَّنَا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ" (١).
(١) أخرجه أحمد (١٧٤٠) (١/ ٢٠١)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٣٠١)، وابن هشام في "السيرة" (١/ ٣٣٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute