للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار النفسية للعقاب البدني]

يوضح بعض المربين أن استخدام العقاب له آثار خطيرة في نفسية الطالب فيقول: ولا يمكن أن يؤدي معه هذا العقاب إلى نتيجة ما.

هذه هي طريقة العقاب التي يسلكها بعض المربين أو المدرسين، وكان فيما مضى -للأسف الشديد- يستعملها محفظو القرآن الكريم، ونسمع عن بعض المشايخ أنه كان يضرب بعنف، وبعض المشايخ الكبار عندما يقصون علينا مثل هذه الذكريات يقول: ربنا لطف، وكانت سليمة! ثم يأتي الأب ويقول: نحن تربينا بالطريقة هذه، وكنا على خير خلق.

هذا خطأ كبير، لطف الله سبحانه وتعالى أن نجى ابنك من عواقب هذا الأمر، أو أنك نجوت منه، وليس معنى أنك تعرضت لنفس الأسلوب من آبائك أنه أسلوب صحيح.

وهذه من أخطر المزالق في الناحية التربوية: أن الإنسان دائماً يقدس ما كان عليه الأبوان، بما أن أبي رباني بهذه الطريقة لا بد أن تكون هذه هي أفضل طريقة على الإطلاق؛ فيكررها مع أبنائه! فالشاهد أن الكثير من المشايخ في تحفيظ القرآن كان يضرب ضرباً شديداً، ويحكي بعضهم كيف ضربه الشيخ حتى سال الدم على وجهه وثيابه؛ لأن الشيخ ضربه بعصا غليظة على رأسه، ويفخر بوسام شرف موجود في رأسه من أثر هذا الضرب! وهناك أناس من ضحايا هذا الأسلوب التربوي الذين اتجهوا بعد ذلك الاتجاه العلماني، وكتبوا عن هذه الذكريات الأليمة، وأنها كانت السبب في انحرافهم، مثل: طه حسين، حتى سيد قطب رحمه الله كان في (كُتّاب) في القرية، وحكى عن نفسه بنفس طريقة طه حسين، وذلك قبل أن يتجه الاتجاه إسلامي، فكان يحكي الذكريات، وما كان يفعله الشيخ، ويتندر من تصرفات بعض المحفظين فيما مضى.

وأنا أركز على هذه الوقفة لأني أسمع أن بعض المحفظين ما زال يستعمل نفس الأساليب مع بعض الأطفال، وأطفال اليوم في حاجة إلى معاملة دقيقة جداً؛ لأنهم يختلفون اختلافاً شديداً عن الأجيال الماضية.

يقول بعض الباحثين: ولا يمكن أن يؤدي معه هذا العقاب إلى نتيجة ما؛ سوى أن يجعله يحقد على المدرسة، ويتمرد على أهله في سبيل الحضور إليها، ويكره الذهاب إلى المدرسة، وهذه نراها بالذات في الأطفال الصغار في سن الحضانة أو بعدها بقليل، لا يريد أن يذهب إلى المدرسة، ويعاند، وفي كل يوم يصنع مشكلة كبيرة من أجل ألا يذهب إليها؛ وعندما تبحث في الأسباب تجد أن مدرساً يسيء معاملته أو يضربه أو يهينه إلى آخره؛ فيكره الذهاب إلى المدرسة، وهذا بلا شك مما يحطم مستقبله، ويؤدي به في النهاية إلى حياة التشرد، فهذا خلل في التربية، ويسبب أن الأم تحرم من أعز ما تملك من طاقتها؛ لأن عزتها مرهونة بتربية أبنائها التربية السليمة.

فركنا العملية التعليمة هما: المربي والمربى، المدرس والتلميذ، الأب والابن، أو الأم والابن، فإذا ساءت العلاقة بين الركنين الأساسيين في العملية التربوية فإن هذا بلا شك سوف يحدث لها الفتور والتوتر والتمزق؛ فبالتالي تنتهي العملية التربوية.

الآن الطلبة في المدارس الثانوية -لما زال الاحترام بين المدرس والطالب- نسمع عنهم أشياء تشيب لها الرءوس، ويشيب لها الشعر مما يفعله الطلبة مع المدرسين، وأحياناً يكون المدرس هو المسئول؛ لأنه لم يجعله يحترمه، نتيجة عدد من التصرفات المعروفة، في الأجيال الماضية التلميذ كان إذا رأى المدرس في الشارع يجري حتى لا يجتمع معه في الشارع، أو يهرب أو يدخل في بيت إلى أن يمر المدرس.

الآن الله المستعان! نسمع أشياء لا تكاد تصدق أنه وصل التدهور في العلاقة بين هذين الركنين الأساسين في العملية التربوية إلى هذا المستوى.

فمن أسوأ آثار العنف: الهروب من المدرسة أو التغيب عنها، ومن الممكن أن تكون هناك صدمات نفسية للأطفال تسبب لهم عقداً في حياتهم، أو بسبب حدوث مصادمات مع المدرسين.

أيضاً: إذلال الطفل وإحساسه بالذل والهوان والحقارة، وتعريض شخصيته لكثير من الانحراف الخطير، والاضطراب الأليم، فالعقوبة البدنية بالصورة التي تحصل لا تجدي شيئاً، وتضر بالطالب، وتكون النتيجة بغض الطالب لمعلمه، ولو بغير إرادته وشعوره.

يمكن ألا يعبر صراحة عن هذا البغض، إلا أنه يظهره في صورة مقاومة التعليم وكراهية المدرسة، وبالتالي تنهدم علاقة الثقة والمحبة التي ينبغي أن تكون بين المعلم وبين طلابه، فالعقاب يؤدي إلى أن الطالب يشعر بفقدان الأمن.

أعرف بعض المدرسين كان مميزاً جداً، كان يأتي إلى الطالب وهو يبتسم، وبمنتهى الهدوء، وفجأة يصفعه صفعة شديدة على وجهه إلى أن يسقط على الأرض من هذه الصفعة! ويصبح حينها كل طالب متوتر يرى أنه سيفاجئ بنفس العمل في المرة القادمة، لأن هذا السلوك فيه من العدوان ما يذهب الشعور بالأمان، فيتكون عند من حضر عدم الأمن وكراهية الآخرين، وينمو فيه شعور بالمقاومة والكذب والمخاوف إلى غير ذلك من العادات الذميمة.

فالجو المشحون دائماً بالانفعال والتوتر له أسوأ الأثر على الشخصية في سنوات الطفولة والمراهقة؛ لأن هذه المرحلة في غاية الحساسية.

المرحلة التي يوضع فيها أساس الشخصية من سن الطفولة الباكرة إلى سن الثامنة عشرة تقريباً، وبعدها يصعب جداً أي تعديل إلا إذا شاء الله، لكن هذه هي فترة التكوين، بعض الناس يقول: إن في الخمس السنوات الأولى تكون النسبة العظمى من تكوين الشخصية ووضع أساسها والباقي يكون إلى هذا السن الذي أشرنا إليه، فإذا حصل خلل في هذه الفترة فسيؤدي إلى الاضطراب النفسي والانفعالي والاجتماعي، وممكن أن يؤدي إلى معاناة وليست معاناة على المستوى الفردي بل ممكن أن يكون هذا الشخص عدواً للمجتمع بعد ذلك، أو مضاداً للمجتمع، ويبدأ يؤذي الآخرين بارتكاب الجرائم مثلاً.