مما يؤسف له أن أعداءنا يدركون جيداً أن الهوية الإسلامية أقوى سلاح، فالهوية الإسلامية في نظر أعدائنا أقوى من القنابل النووية أو القنابل الهيدروجينية والأسلحة الفتاكة كلها.
وهذا الكلام ليس من جيبي ولا من عندي، وإنما هو من بعض تصريحات ساستهم، ففي آخر سنة (١٩٦٧م) ألقى وزير خارجية الدولة اللقيطة محاضرة في جامعة برنستون الأمريكية فقال في هذه المحاضرة بعد النكسة مباشرة: يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل! انظر كيف يتكلم وهو منتصر في حرب الأيام الستة، ومع ذلك انظر إلى الخوف من الإسلام! فمع أنه كان في حالة انتصار لكنه يقول: يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيق على إسرائيل! ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي! والمجتمع اليهودي في فلسطين يتألف من مهاجرين من أكثر من مائة دولة مختلفة، فهي تجمع من الشتات أنواعاً مختلفة، فهم من كل أفق أتوا من أكثر من مائة دولة من كل أنحاء العالم، ويتكلمون سبعين لغة مختلفة من شتات الأرض، ولكن جمعتهم عقيدتهم الواحدة رغم اختلاف اللغات والألوان والقوميات والعناصر والأوطان.
وهذا أحدهم يعلنها ويقول: جنسيتنا هي دين آبائنا، ونحن لا نعترف بأية قومية أو جنسية أخرى.
والدعوة القومية تفكك، فالشيوعية نفسها كانت تقف حاجزاً دون انتشارها، وتدعو إلى تفضيل المذهب الشيوعي، ومع ذلك فإن المسلمين بالذات كانوا يشجعون القوميات، حيث شجعوا القومية العربية، وشجعوا انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية التي أصبحت الآن بنغلادش، ولذلك نرى الأستاذ يوسف العظم يحكي واقعة في أيام حرب حزيران أو يونيو حرب النكسة فيقول: لقد سمعت وزير إعلام عربياً إبان حرب حزيران يقول: دعونا من خالد بن الوليد وصلاح الدين، ولا تثيروها حرباً دينية، قال ذلك وهو يعلق على ما يذيعه بعض الدعاة من الحث للجندي على الثبات وتشجيع المقاتلين على الجهاد والاستشهاد، فقلت لمن كان حولي: منهزمون ورب الكعبة! وقد كان؛ لأن السلاح ليس بذاته أساساً مادام السلاح بمثل هذه العقيدة القتالية التي يعبر عنها هذا المصطلح الذي عبر عنه الوزير المذكور، فأين العقيدة إذا كنت تقول له: شادية معك في المعركة، وأم كلثوم معك في المعركة، وعبد الحليم معك في المعركة؟!! إن اليهود أول ما دخلوا سيناء دخلوا بنسخ كثيرة من التوراة حملوها على أول دبابة دخلت سيناء، وجاءت صحيفة أحرونوت اليهودية سنة (١٩٨٧م) تقول: إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي: أننا نجحنا بجهودنا وبجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تمكين خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا!! حينما أراد الشاعر محمد إقبال أن يبين أثر تخلي المرء عن هويته وعن عقيدته ضرب هذا المثل فقال: كانت مجموعة من الكباش تعيش في مرعىً وفير الكلأ عيشاً رغيداً، ولكنها أصيبت بمجموعة من الأسود نزلت بأرض قريبة منها، فكانت تعتدي عليها وتفترس الكثير منها، فخطر ببال كبش كبير منها أن يتخذ وسيلة تريح من هذا الخطر الداهم الذي يهددها، فرأى أن استخدام السياسة والدهاء والحيلة هو الوسيلة الوحيدة، فظل يتوسد إلى هذه الأسود في مكانها حتى ألفته وألفها، فاستغل هذه الألفة، وبدأ يعرض الأسود ويدعوها إلى الكف عن إراقة الدماء والعيش في سلام وأمان ودعة وإلى أن تترك أكل اللحم، وأخذ يغريها بأن تارك أكل اللحم مقبول عند الله، وأخذ يزين لها الحياة في دعة وسكون، ويقبح لها الوثب والاعتداء، حتى بدأت الأسود تميل إلى هذا الكلام، فأخذت الأسود تتباطأ في افتراس الكباش، ومالت إلى حياة الدعة والهدوء، واكتفت بأكل الأعشاب كما تفعل الكباش، فكانت النتيجة أن استرخت عضلاتها، وتثلمت أسنانها، وتقصفت أظفارها، وأصبحت لا تقوى على الجري، ولم تعد قادرة على الافتراس، وبذلك تحولت الأسود إلى أغنام؛ لأنها تخلت عن هويتها وعن خصائصها ففقدت ذاتيتها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:(ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا).
فالذي كان يفعله هذا الكبش هو الذي فعله الكثير من المستشرقين حيث كانوا يلقون الشبهة على المسلمين، وهم يعرفون عقدة النقص والانهزامية عند بعض المسلمين والمفكرين، ونتيجة العقدة في النفس والشعور بالدونية عند بعض المنهزمين هي أنهم أصبحوا يردون بأن الإسلام دين لا يعرف الجهاد، ولا يعرف كذا وكذا، وآخر يوم يوضع الإسلام في قفص الاتهام، ويوظف الغرب نفسه محامياً ليبرئه من هذه التهم، وبالتالي بدأ طمس مفاهيم الإسلام شيئاً فشيئاً من خلال هذه الحيل الماكرة، حتى وصلت محاولات طمس الهوية الإسلامية إلى حد أن يضغط علينا قتلة الأنبياء ومحرفوا الكلم عن مواضعه أن نمارس مثلهم هواية التحريف لكلام الله؛ حيث كان من محاور اتفاقية (كامب ديفيد): ضرورة إزالة المفاهيم السلبية تجاه إسرائيل في الإسلام، ونظفوا الإسلام من المفاهيم السلبية تجاه اليهود لعنهم الله، وإسحاق نافون رئيس الكيان اليهودي السابق خطب خطاباً في جامعة بن غوريون أمام السادات في (٢٧/ ٥/١٩٧٩م) وقال: إن تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل أهمية عن الترتيبات العسكرية والسياسية، وصرح أيضاً أمام قيادات الحزب الوطني بمصر في (٢٨/ ١٠/١٩٨٠م) بأن أي صياغة أدبية أو دينية تخالف التصورات الإسرائيلية تعد مساساً بالسلام الإسرائيلي! ويقصد بالصياغة الأدبية والدينية القرآن الكريم، والآيات التي تفضح اليهود وتكشفهم.
إذاً: يحرص هؤلاء على هويتهم، وفي نفس الوقت يجتهدون في تذويب هويتنا الإسلامية.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.