[موقف أم عقيل حين عزيت بموت ولدها عقيل]
وحكى -أيضاً- الإمام أبو الفرج بن الجوزي قال: قال الأصمعي: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها فسلمنا، فإذا امرأة ترد علينا السلام، قالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم ضالون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم.
فقالت: يا هؤلاء! ولوا وجوهكم عني حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل.
ففعلنا، فألقت لنا مسحاً -أي: فراشاً- فقالت: اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني.
ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها، إلى أن رأت شخصاً قادماً من بعيد، فقالت: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ابني وأما الراكب فليس بابني.
فوقف الراكب عليها فقال: يا أم عقيل! أعظم الله أجرك في عقيل.
قالت: ويحك مات ابني؟! قال: نعم.
قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر، فقالت: انزل فاقض ذمام القوم.
تعني: انزل حتى تؤدي حق الضيافة لهؤلاء القوم.
ودفعت إليه كبشاً فذبحه وأصلحه وقرب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا وقد تكورت -أي: لبست مثل العمامة على رأسها- فقالت: يا هؤلاء! هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئاً؟ قلت: نعم.
قالت: اقرأ علي من كتاب الله آيات أتعزى بها.
قلت: يقول الله عز وجل في كتابه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٧].
قالت: آلله إنها لفي كتاب الله هكذا؟ قلت: آلله إنها لفي كتاب الله هكذا.
قالت: السلام عليكم.
ثم صفت قدميها وصلت ركعات، ثم قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب عقيلاً -تقول ذلك ثلاث مرات- اللهم! إني فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني.