[مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات]
ذكر الشيخ محمد بن حمد الحمود حفظه الله في كتابه: (النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) مقدمة يسيرة حول مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء الحسنى فقال: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء الحسنى هو مذهبهم في الصفات عموماً، وذلك أن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء، وهي أوصاف، ولذلك كانت حسنى.
والذي درج عليه سلف الأمة ومن تابعهم بإحسان، واتفقوا عليه: هو الإقرار والتصديق بآيات الأسماء والصفات وأحاديثها، وإمرارها كما جاءت، وإثباتها دون تشبيه أو تعطيل أو تحريف أو تأويل.
عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي رحمه الله تعالى -وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به- يقول: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه العدول، فمن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
انتهى كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وإسناده إليه صحيح.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أيضاً في الرسالة: ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته، الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه سبحانه وتعالى.
وعن محمد بن إسماعيل الترمذي قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.
وقال الترمذي بعدما روى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره) إلى آخر الحديث: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات في الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويؤمن بها، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟ هكذا روي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكروا هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير موضع من كتابه: اليد والسمع والبصر، فتأولوا هذه الآيات، وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق بيده، وقالوا: إنما معنى اليد القوة.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع، فهذا تشبيه، أما إذا قال كما قال الله: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف؟ ولا يقول: مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، فهو كما قال تبارك في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
انتهى من سنن الترمذي رحمه الله تعالى.
إذاً: إثبات الأسماء والصفات كلها تنحصر فيما هو ظاهر هذه الأسماء والصفات إذا أطلقت في حق الله تبارك وتعالى.
والصحيح أن يقال: ظاهرها هو ما يليق بالله، فلا ينبغي أن تصرف النصوص عن ظاهرها، أما من قال: إن ظاهرها هو التشبيه فهذا فر من ذلك إلى التعطيل؛ لأنه فهم منها التشبيه، فوقع في التشبيه أولاً، فنفر من التشبيه إلى التعطيل، تعالى الله عن ذلك.
فهو فر من فساد إلى فساد، لكن أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات والأسماء بلا كيف، وهذا هو مذهب الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله تعالى، الذي رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وترك ما كان عليه من علم الكلام المبتدع المخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر نصوصاً في ذلك في (مقالات الإسلاميين) وهو كتاب للإمام الأشعري رجع فيه إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
قال رحمه الله في كتابه (اختلاف المصلين ومقالات المسلمين) بعد أن ذكر فرق الخوارج، والروافض، والجهمية وغيرهم: ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث: جملة قولهم: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].
وأن له يدين بلا كيف، كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥].
وأن أسماء الله لا يقال: إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً، كما قال تعالى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:١١].
وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة إلى آخر كلام الأشعري في إثبات الصفات.
وهذه العقيدة هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهي التي تلقاها التابعون منهم، وتواصوا بها جيلاً بعد جيل، محذرين بعضهم البعض من مخالفتها، والميل عنها، ودان بهذه العقيدة أئمة السلف الماضين من المحدثين والفقهاء، والمفسرين، واللغويين، والمصنفين، وكيف لا تكون هذه هي العقيدة صحيحة والله قد زكى اعتقاد نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين بقوله جل ثناؤه: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ} [البقرة:١٣٧]؟ فتأمل قوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ} [البقرة:١٣٧] ففيه إشارة إلى أن الإنسان لا يهتدي إلا بهذه المثلية، وذلك بأن تكون عقيدتهم مثل عقيدة الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان، قال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:١٣٧ - ١٣٨].
فمذهب أهل الحق إثبات الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب العزيز، وفي السنة المطهرة، والإيمان بها، وبما دلت عليه من المعاني، والإيمان بما تعلق بها من آثار، فمثلاً: نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى رحيم، ومعناه: أنه ذو رحمة، ومن آثار هذا الاسم: أنه يرحم من يشاء.
ومثال ثانٍ: نؤمن بأن الله قدير، ومعناه: أنه ذو قدره، ومن آثار هذا الاسم: أنه على كل شيء قدير، وهكذا القول في جميع الأسماء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: ولو ذكرنا قول كل من له كلام في إثبات الصفات من الأئمة لاتسع الخرق، وإذا كان المخالف لا يهتدي بمن ذكرنا أنه يقول: الإجماع على إثباتها من غير تأويلها، أو لا يصدقه في نقله فلا هداه الله.
يعني: إن كان لا يملأ عينيه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين والأئمة العظام الأجلة، كالإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام أبي حنيفة والإمام مالك وسفيان الثوري، وكل هؤلاء الأئمة من أئمة أهل السنة وأهل الحديث، إذا كان يخالفهم ويشذ عنهم فيما نقلوه من الإجماع على إثبات الصفات كما يليق بالله سبحانه وتعالى، أو لا يصدقهم فيما نقوله من أن هذه عقيدة السلف.
يقول: أي: أنه يدعو على من لم يهتد بمثل ما آمنوا به بألا يهديه الله، فلا هداه الله، ولا خير والله فيمن رد على مثل الزهري ومكحول والأوزاعي والثوري والليث بن سعد ومالك وابن عيينة وابن المبارك ومحمد بن الحسن والشافعي والحميدي وأبي عبيد وأحمد بن حنبل وأبي عيسى الترمذي وابن سريج، وابن جرير الطبري وابن خزيمة وزكريا الساجي وأبي الحسن الأشعري، أو لا يقول مثل قولهم من الإجماع.
وممن حكى إجماعهم من الخلف الخطابي وأبو بكر الإسماعيلي وأبو القاسم الطبراني وأبو أحمد العسال إلى آخر هذه القائمة.
إذاً: هذه مقدمة تتعلق بمنهج السلف في إثبات أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، فإنهم قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف.
وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى فيما بعد لهذه القواعد.