للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرط الثالث: الاستنجاء بالطاهر لا النجس]

يشترط العلماء فيما يستنجى به: أن يكون طاهراً، فإن كان نجساً لم يجزئ الاستنجاء به، فإن أزال النجاسة بشيء نجس لم يجزئ، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجزئه؛ لأنه يجفف كالطاهر.

يقول ابن قدامة: ولنا: (أن ابن مسعود رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستجمر بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذه ركس) رواه البخاري، وفي لفظ الترمذي: (قال: إنها ركس) يعني: نجسة.

فهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم يجب المصير إليه، فعلل رفضه لاستعمال هذه الروثة بأنها نجسة، فيفهم من ذلك أن ما كان نجساً لا يجوز الاستجمار به.

أيضاً: عملية الاستجمار أو الاستنجاء أو الاستطابة هي عبارة لإزالة النجاسة، فكيف تحصل إزالة النجاسة بالنجاسة؟! وهذا مثل أن يغسل إنسان ثوباً متنجساً بالبول! فإن استنجى بنجس لم يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج، فلم يجزئ فيها غير الماء كما لو تنجس ابتداءً، ويحتمل أن يجزئه؛ لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها، وهذه المسألة فيها خلاف كما ذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى.

وهذه المسألة ذكرها الإمام النووي رحمه الله فقال: ذكرنا أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء، وجوزه أبو حنيفة وغيره.

أي: جوز أبو حنيفة إزالة النجاسة بالروث.

ثم يقول النووي: ودليلنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج لحاجته فقال: أبغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا روث) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (وليستنج بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة) والرِّمة: هي العظم البالي، والرُّمة هي الحبل، وبه سمي الشاعر ذو الرمة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها ركس).

وعن سلمان قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظام) رواه مسلم.

وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روث وقال: إنهما لا يطهران) رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح.

وحديث رويفع بن ثابت من الأحاديث الصريحة جداً في هذه المسألة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمداً منه بريء) رواه أبو داود والنسائي، وقال الإمام النووي: هذا حديث إسناده جيد.

وهنا مسألة ذكرها الماوردي قال: لو أحُرق عظم طاهر بالنار حتى تفحم وتغير حاله فهل يجوز الاستنجاء به؟

الجواب

عند الشافعية في هذه المسألة وجهان: أحدهما: يجوز الاستنجاء به؛ لأن النار أحالته وحولت طبيعته.

الثاني: لا يجوز لعموم حديث النهي عن الرِّمة، والرِّمة هي العظم البالي، ولا فرق بين البالي بنار أو بمرور الزمان، وهذا الوجه الثاني صححه الإمام النووي رحمه الله تعالى.