النوع الخامس من صور الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى: تسمية الله بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أباً، يسمون الله أباهم، يقولون: أبانا الذي في السماء، فهذا من الإلحاد أن يسموا الله أباً لهم، وتسمية الفلاسفة لله سبحانه وتعالى بأنه الموجد بذاته، أو تسميته بأنه علة فاعلة بالطبع، ومن هذا قول الكرامية: إنه -تعالى الله عما يقولون- جسم أستغفر الله! وقول بعضهم: إنه جوهر ونحو ذلك، وكما يقول الماسوني في هذا العصر حينما يصفون الله سبحانه بأنه مهندس الكون الأعظم!! كل هذا من الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى، لكن برأ الله أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت إليه لفظاً ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات، فكان إثباته بريئاً من التشبيه، وتنزيههم خالياً من التعطيل.
قال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: إن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات، فالرحيم اسم، لكن في نفس الوقت يتضمن إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، فهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى، هذا هو السبب في كونها حسنى، إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني لها لم تكن حسنى، ولم تكن دالة على حسن ولا على كمال، ولساغ وجود الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس، فيقال: لو أن الرحيم أو الغفور مثل المنتقم الجبار لكان للعبد أن يقول مثلاً: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقم الجبار؛ لأن الرحيم نفس المنتقم تماماً!! أو مثلاً يقول واحد: اللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع!! فهذه الأسماء عبارة عن حروف لا معاني من ورائها! مجرد أعلام بدون أن تكون متضمنةً لمعانيها التي تثبتها؛ ولذلك قال الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: حقيقة الاسم: كل لفظ جعل للدلالة على المعنى، إن لم يكن مشتقاً، فإن كان مشتقاً فليس باسم إنما هو صفة، يقول: هذا قول النحاة، يعني: أهل اللغة والنحو يجعلون حقيقة الاسم: اللفظ الذي جعل للدلالة على المعنى إن لم يكن مشتقاً، لكن إن كان مشتقاً فهو في هذه الحالة يكون صفة؛ ولذلك حكى عن أبي الحسن بن أخت أبي علي قال: سمعت خالي أبا علي يقول: كنا بمجلس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جماعة من أهل المعرفة، فيهم ابن خالويه إلى أن قال ابن خالويه في المجلس: أحفظ للسيف خمسين اسماً، فتبسم أبو علي وقال: ما أحفظ إلا اسماً واحداً وهو السيف، فقال ابن خالويه -وهو يحسب أنه لا يعرف فعلاً الأسماء التي تطلق على السيف: فأين المهند؟ وأين الصارم؟ وأين الرسوب؟ وأين المخذم؟ وظل يعدد أسماء السيف، فقال أبو علي بعدما وجده سرد كل هذه الأسماء وهو يعرفها والآخر لا يعرفها، قال له أبو علي: هذه صفات، وكأن الشيخ لا يفرق فيه بين الاسم والصفة، فإذاً: أسماء الله مشتقة من الصفات، فهي أسماء وهي في نفس الوقت أوصاف لله سبحانه وتعالى، يقول ابن القيم: ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:١٨٠]، يلحدون في أسمائه كالصور التي ذكرناها، ومنها صور أخرى يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد، كما يفعل الصوفية حين يلحدون في أسماء الله عز وجل بأن يطلقوا على الله أسماء بلغات غير مفهومة ولا واضحة، أو كما يسمون الله بأنه: آه، لما يذكرون الله، فبدل أن يقولوا: الله، يقولون: آه آه، أو: هو هو هو إلى آخره!! فهذا كله من الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى، كما سنبين ذلك بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله تعالى، يقول: ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:١٨٠]، ولأنها لو لم تدل على معانٍ وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: اسم القوي، ليس مجرد علم، لكنه يتضمن إثبات صفة القوة، والدليل:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٨]، (ذو القوة) فهذا إثبات لصفة القوة، خلافاً لما يصنعه الملاحدة من الجهمية، فعلم أن القوي من أسمائه ومعناه: الموصوف بالقوة، ذو القوة، كذلك قوله تبارك وتعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}[فاطر:١٠]، (لله العزة) والعزيز اسم من أسماء الله، فالعزيز هو من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة له لم يسم قوياً وعزيزاً سبحانه وتعالى، ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية: أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعاني إياك والإلحاد فيها إنه كفر معاذ الله من كفران وحقيقة الإلحاد فيها الميل للـ ـإشراك والتعطيل والكفران