ومن تخبطه وتخمينه: القول بآدمين اثنين، أي: أن هناك اثنين آدم وليس واحداً، وهذه أخذها من طريقة أبي العلاء المعري الذي سبقه إلى مثل هذا التخليط بقوله: وما آدم في مذهب العقل واحد ولكنه عند العقول أوادم وقد اعترف مصطفى محمود يوماً بأن الشكوك التي أحاطت به إنما كان مردها إلى غواش حالت بين بصيرته وبين الرؤية الصحيحة، واعترف بأن للنقص العلمي أثره في التمكين لهذه العوارض.
ويقول في كتاب (حوار مع صديقي الملحد) في (ص٣١) بعد أن تحدث عن أهل النار وموجبات عذابهم بكلام رائع، ثم ما يلبث أن يشطح فيقرر قول ابن عربي من إن هؤلاء سيتعودون على النار، فتصبح بيئتهم الملائمة، ثم يقول: إن التعذيب في الآخرة ليس تجبراً من الله على عباده، وإنما هو تطهير وتقويم ورحمة! فأين هذا من قول الله سبحانه وتعالى:{لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ}[آل عمران:٨٨]، وقول الله عز وجل:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء:٥٦]، فلفظة ((كُلَّمَا)) تدل على أن هذا العذاب متجدد ومستمر إلى الأبد، فأين التطهير؟ وأين التقويم؟ إنما يكون التطهير والتقويم في الدنيا حيث تنفع التوبة.
ويذكر الله تبارك وتعالى عن أهل النار أنهم يدعونه فيقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[فاطر:٣٧]، فيزجرهم الله قائلاً:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:٣٧].
وقد تأثر بهذه الفكرة -أعني: أنهم سيتعودون على النار وتصبح بيئتهم الملائمة- بالشاعر محمد إقبال في كتابه (تجديد الفكر الديني في الإسلام)، فإن إقبالاً ابتدع في هذا الكتاب من عجائب التفاسير للجنة والنار ما لا أصل له، وليس له مستند من قرآن ولا حديث، كقوله عن النار: إنها تجربة للتقويم قد تجعل النفس المتحجرة تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله.
أقول: لا، ليست نفحات، بل هي لفحات.
فالجنة والنار في تفسير محمد إقبال الفلسفي حالتان لا مكانان، فالنار -بزعمه- هي: إدراك أليم؛ لإخفاق الإنسان، وأما الجنة فهي: سعادة الفوز على قوى الانحلال.
ولو لاحظ مصطفى محمود أن إقبالاً كان مزدوج الشخصية لما قلده؛ لأن إقبالاً كان في شعره منتظم الخطى في الطريق السوي، حتى إذا عمد إلى التفلسف اضطربت به الخطى، وشط بعيداً عن المنطلق الإسلامي.