كتاب دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم

ضمان الرزق من الله تعالى لعباده - ضرورة الأخذ بالأسباب في طلب الرزق - ج: 80 - ص: 3

[ضرورة الأخذ بالأسباب في طلب الرزق]

ثم لم يكتف سبحانه وتعالى بهذا القسم حتى أمر بالتوكل وأبلغ وأنذر فقال عز وجل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨]؛ فإن ضمان الرزق لا يعني ترك الأسباب التي ربطها الله سبحانه وتعالى بالنتائج، فإن الرزق مضمون، وقد سبقت كتابة الأرزاق، ولكن مع ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك).

وقد علمتنا سيرة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام الأخذ بالأسباب، وكذلك سير الصالحين، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أخذ بالأسباب وعمل بها؛ حتى يعمي الخبر على كفار قريش، وهذه مريم عليها السلام تؤمر بالأخذ بالأسباب مع ضمان الرزق: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:٢٥]، وموسى عليه السلام أخذ بالأسباب حينما فر من فرعون وخرج من المدينة خائفاً يترقب.

يقول صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، فلابد من الحرص على ما ينفع، سواء في الدين أو في الدنيا، وهذا لا ينافي أن الرزق مضمون؛ لأن الرزق وكل الأعمال قد سبق قضاؤها من عند الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك لابد من الأخذ بالأسباب، فإن لم يطمئن العبد بضمان الله سبحانه وتعالى، ولم يقنع بقسمه عز وجل، ولم يبال بأمره ووعده ووعيده؛ فهو من الهالكين.

قال الحسن رضي الله عنه: لعن الله أقواماً أقسم لهم ربهم فلم يصدقوه.

وقال هرم بن حيان لـ ابن ادهم: أين تأمرني أن أقيم؟ قال: فأومأ بيده إلى الشام، قال: وكيف المعيشة فيها؟ فقال له: أف لهذه القلوب، لقد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة.

المقصود: أن يكون الإنسان على ثقة بما في يد الله سبحانه وتعالى، ويكون أوثق بهذا منه بما في يده هو، فإن ما عند الله سبحانه وتعالى لا ينفد، وإنما يعطي العبد بمقدار ما يصلحه: (لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقه كما يدركه الموت)، ولذلك لا يحل للإنسان أن يبحث عن الرزق فيما حرم الله سبحانه وتعالى عليه، فإن ما عند الله لا يطلب بمعاصي الله، وإنما يطلب بطاعة الله وما أحله سبحانه وتعالى.