ومن تلك الإجراءات -أيضاً- تحريم خروج المرأة متطيبة متعطرة، فمن المعلوم أن من دواعي فتنة الرجل بالمرأة ونزوعه إليها ما يشم منها من الطيب الذي يفوح شذاه، فيجر إلى الفتنة ويكون رسولاً من نفس شريرة إلى نفوس أخرى شريرة، والإنسان يعجب من هذه المرأة التي تستيقظ في الصباح وتقضي ساعة -مثلاً- أمام المرآة تظهر الأصباغ والمساحيق، وتهتم بمظهرها أمام الرجال الأجانب أكثر مما تهتم بمظهرها أمام زوجها الذي تستطيع أن تتناول ثواب العبادة إذا تزينت له في البيت، فهذه تكون عبادة وتثاب عليها، وهي طاعة لله سبحانه وتعالى؛ لأنها في موضعها المناسب، فمن الظلم أن تضع هذا التزين في غير موضعه، تخرج المرأة بهذه الزينة وتضع هذه الروائح والعطور لأجل أن تلفت إليها الأنظار! قرأت في أحد الكتب التي تتكلم عن التلفزيون ومفاسده، فيحكي أنه أذيع في أحد التلفزيونات أن امرأة تمر تفلة -يعني: ليس عليها طيب ولا روائح- والرجال واقفون يلتفتون إليها، ثم بعد ذلك تهتدي هذه المرأة لفكرة شيطانية، فتضع الطيب وتتضمخ بالطيب ثم تمر وإذا بالرجال جميعاً ينجذبون نحوها ويسيرون ورائها! وهذا الإعلام قد يكون صامتاً أو متكلماً، لكن أنظر إلى المعنى الذي يريدونه وإلى الهدف الحقيقي الذي هو نشر الفتنة بالمرأة عن طريق هذه الأشياء، فأي امرأة عندها بقية من كرامة كيف تقبل أنها تخرج هكذا وتعرض على الرجال بهذه الصورة وهي لا تأمن أن ينظروا إليها نظرة محرمة أو يشتهونها في أنفسهم، هل امرأة عندها كرامة؟! وهل عنده كرامة ذلك الزوج الذي يخرج يتأبط ذراع زوجه في الطريق، وقد كشفت عن محاسنها وتزينت وتلطخت بالبويات والألوان ووضعت الطيب وهو ماشٍ فخور بهذا العري وهذه الفضيحة؟! أولى لك أن تنكس رأسك في الوحل وفي الطين من أن تفتخر بأنك تعرضها للرجال؛ لأن النظر هو نوع من التمتع، والنظر إلى المرأة -خاصة إذا كانت في الزينة- هو نوع من الاستمتاع بها، فكيف يكون رجلاً؟! حتى إذا لم نقل: عنده دين.
ولا: إنه متطرف ولا إرهابي فهو رجل، فكيف يقبل أن يشاركه الرجال فيها ويعرضها للناظرين هكذا بعد أن زينها في البيت، ثم تخرج إلى الرجال ويفخر بذلك؟! كما نرى ذلك في الأفراح ونرى ذلك في الطرقات، وكأننا لسنا من أمة المسلمين، وكأننا لا صلة لنا بهذا الدين ولا بهذا الرسول ولا بهذا القرآن! فالله المستعان.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية) كل عين تنظر إليها فهي واقعة في هذا الإثم، ويقول صلى الله عليه وسلم:(كل عين زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا) يعني: زانية.
والعياذ بالله، وقال صلى الله عليه وسلم:(إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً) نهاها أن تمس الطيب إذا راحت إلى المسجد وهو مكان عبادة، فكيف إذا خرجت إلى السوق؟! وكيف إذا خرجت لغير ذلك من المرافق؟! وكيف تمر على مجالس الرجال بهذه الرائحة؟! ليس هذا من المنطق ومن العقل فضلاً عن أنه حكم الشرع، إنما يرفع الحرج عنها تماماً ما دامت أمام زوجها أو أمام محارمها بأن تضع الطيب أو تتزين أو ترفع الحجاب؛ لأن هؤلاء مأمونون، وأي إنسان عاقل يستسيغ هذا، ولا يمكن أن يعترض على هذا إلا من مسخت فطرته وانتكس إلى مرتبة أقل من مرتبة الخنازير والحيوانات والبهائم، هذا كلام منطقي جداً، حتى الذي ليس عنده دين يرى ذلك متوافقاً مع فطرته ومع عقله، فلا ضير على المرأة أن تستعطر في بيتها ولزوجها بشرط أن لا تغشى به مجالس الرجال؛ لأن الطيب من ألطف وسائل المخابرة والمراسلة، والحياء الإسلامي يبلغ من رقة الإحساس أن لا يحتمل حتى هذا العامل اللطيف الخفي، وقد خرجت امرأة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه متطيبة فوجد ريحها، فعلاها بالدرة ثم قال:(تخرجن متطيبات فيجد الرجل ريحكن! وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم، اخرجن تفلات)(تفلات) خاليات من الروائح.