(قال: لا تسبّنّ أحداً) أي: لا تشتمه، وإنما عهد صلى الله عليه وسلم إليه بعدم السب؛ لعلمه أن الغالب على حاله أنه كان يسب الناس، فنهاه عن هذه الخصلة.
قال:(فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة) أي: بعد ذلك العهد الذي أخذه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم من لسانه الإنسان والحيوان سدّاً للباب، وإن كان يجوز سب إنسان مخصوص علم كفره كفرعون أو أبي لهب وغيرهما، فإنه لا ضرر في سب الكافر، ومع جواز السبّ في حق الكافر فالأفضل الاشتغال بذكر الرحمن حتى عن لعن الشيطان، فإن خطور ما سوى الله في الخاطر نقصان، فلا تشغل قلبك بغير ذكر الله، فالسب لا يستحب، وغاية السب أو اللعن أنه جائز في أحوال معينة ولأشخاص معينين، تقول مثلاً: لعنة الله على الظالمين لعنة الله على الكافرين لعن الله من فعل كذا، كما كان يقول ذلك صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عن أفعال مخصوصة، وفي الحديث:(ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن اللعانين ليسوا بشفعاء ولا شهداء يوم القيامة)، فالمسلم -وإن لَعَن- ينبغي له أن يقلّ من اللعن، ولا يكون ديدنه وعادته السب واللعن؛ حتى لا يتعود لسانه ذلك، وربما جرّه كثرة ذلك إلى أن يوقعه في غير موقعه، فسدّاً للذريعة ينبغي للمسلم أن يمسك عن اللعن، كما وصف بعضُ الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(كان لا يذم أحداً ولا يعيبه حتى لو كان مستحقاً لذلك).