كنا قد تعرضنا ضمن الكلام السابق إلى أن التوحيد هو الأصل وأن الشرك طارئ عليه، فاعلم أخي المسلم أنّ التوحيد هو الأصل في تاريخ البشر، كما أن التوحيد مركوز في فطرة كل مولود، فهو الأصل بصفة فردية، وكذلك فيما يتعلق بتاريخ البشرية كلها، والشرك طرأ على الأمم بعد ذلك.
فتاريخ الأمة الإسلامية ليس كما يزعم بعض الناس أنه يبدأ من القرن السابع الميلادي ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنّ هذا خطأ فادح، بل إنّ تاريخ الديانة الإسلامية لم تبدأ بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم منذ أربعة عشر قرناً، وإنما بدأت منذ الفجر الأول للبشرية، وذلك مع خلق آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فاللبنة الأولى في تاريخ البشرية والمكونة من آدم وحواء وذريتهما كانت مفطورة على الإسلام، وكذلك كل من جاء بعدهم من الأنبياء والرسل الذين كان لهم شرف حمل رسالة الإسلام، كلهم كانوا على متن هذا الدين، وقد استجاب لهم أقوام عاشوا للإسلام وبالإسلام، ومنهم تكونت أمة الإسلام.
إذاً: فالأمة الإسلامية لم تبدأ هذه البداية منذ أربعة عشر قرناً، ولكنها موغلة في القدم، وهي الأصل في تاريخ هذه البشرية كلها.
ونزيد الأمر إيضاحاً وذلك بالتدليل من القرآن الكريم على هذه الحقيقة، وهي أن الجيل الأول من البشرية كان على التوحيد: فحينما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض، أنشأ الله من ذريته أمة كانت على التوحيد الخالص، كما قال سبحانه وتعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}[البقرة:٢١٣] يعني: كانوا على التوحيد وعلى الدين الحق، {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}[البقرة:٢١٣]، وهنا لا بد من أن نقدر كلمة نفهم بها السياق وهي فاختلفوا، {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة:٢١٣].
وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أنبي كان آدم؟ قال: نعم، مكلَّم).
يعني: كان نبياً مكلماً كموسى عليه السلام، كما في قوله:{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}[البقرة:٢٥٣]، فآدم ممن كلمهم الله سبحانه وتعالى، (قال: نعم، مكلم، قال: فكم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون) يعني: ألف سنة.
أخرجه أبو حاتم بن حبان في (صحيحه)، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في (البداية والنهاية): هذا على شرط مسلم، ولم يخرّجه.