الانتماء الوجداني والانتساب إلى الهوية ينبع عن إرادة النفس، فالنفس تكون راضية بهذا الانتماء، إلى هذه الهوية، قابلة لهذا الانتماء راضية عنه، معتزة به، فهذا الانتماء هو الزمام الذي يملك النفس ويقودها، ويحدد أهداف صاحب الهوية، وهو الذي يرتب أولوياته في الحياة، فتعتز النفس به، وتندمج فيه، وتنتصر له، وتوالي وتعادي فيه، وفي نفس الوقت تبرأ من الانتساب إلى أي هوية أخرى مضادة أو مزاحمة لهذه الهوية التي يعتز بالانتماء إليها.
إذاً: هذا التفاعل النفسي ينتج عنه بطبيعة الحال اقتناء حواجز نفسية بين الشخص وبين كل من يخالفه في هذه الهوية، وفي نفس الوقت يقع الاندماج والتوحد مع الذين يوافقونه في هذه الهوية.
والهوية لها علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلماته الفكرية، والهوية هي التي توجه لاختيار هذا الفرد عند تعدد البدائل، فأنت إذا عرفت أن هذا هويته -مثلاً- مسلم فالأصل أن هذا المسلم يجتنب لحم الخنزير، ويجتنب الخمر، ولا يفعل كذا وكذا، ويعتقد كذا وكذا، وإذا عرضت عليه عدة اختيارات في أي قضية فطبقاً لانتمائه الاعتقادي وطبقاً لهويته فهذه الهوية هي التي سوف توجه اختياره أمام البدائل المتعددة، وبعبارة أخرى: الهوية هي التي تقوم بتهذيب سلوكه، وسلوكه يكون محدداً في إطار هذه الهوية، حيث يصبح سلوكه له غاية، كما أنها تؤثر تأثيراً بليغاً في تحديد سمات شخصيته، وإطفاء صفة الرجولة والاستقرار والوحدة على هذه الشخصية، وبالتالي إذا تحققت له عناصر وأفكار لهذه الهوية ونتج عنها الانتماء الذي تحدثنا عنه، فلا يمكن أبداً أن يكون صاحبها ذا وجهين يقابل هؤلاء بوجه وهؤلاء وجه كما وصف الله تعالى المنافقين بقوله:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ}[النساء:١٤٣].
فالشخص الذي حدد هويته لا يمكن أن يقع في هذا التذبذب، ولا يمكن أن تضطرب شخصيته، بل تكون ثابتة ومستقرة وشخصية واحدة، لا يمكن أن تتعدد وجوهه كما يحصل للمنافقين.
أما بالنسبة للمجتمع ككل فإن الهوية الواحدة أو المتحدة تصبح هي الواحة النفسية التي يلوذ بها أفراد الجماعة، وتكون هي الحصن الذي يتحصنون داخله، والنسيج أو المادة اللاصقة التي تربط بين لبناته، والتي إذا فقدت تشتت المجتمع، وتنازعته التناقضات.