يقودنا الكلام في تفسير قوله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:١] إلى بيان معاني الهمز واللمز المقصودين في هذه الآية الكريمة، فالذم حاصل لكل من أتى بهما أو بأحدهما، يعني: ويل لكل هامز لامز يكثر منه الهمز واللمز للآخرين، وفي قراءة:(ويل لكل هُمْزَة لُمْزَة) يعني: الشخص الذي يهمز ويلمز، وهو المفعول، وذلك بأن يأتي بحركات سفيهة أو يمثل أو يفعل نحو هذه الأشياء بحيث يضحك الناس، فهذا المعنى يستفاد من قراءة:(ويل لكل هُمْزَة لُمْزَة) بتسكين الميم، فهي تعني المفعول، أو الشخص الذي يتعرض للناس ليهمزه ويضحكوا منه.
والآية تتناول أحد أنواع التمثيل على هذه القراءة، وهو التشخيص، والمعروف أن الممثلين كانوا معروفين منذ زمن بالحقارة والمذلة والهوان، وكانوا أحقر ناس، حتى كان القضاء الوضعي نفسه يرد شهادة الممثلين، ولا تقبل شهادتهم تفسيقاً لهم؛ لأنهم يتعاطون مهنة قبيحة وحرفة خبيثة، وبعض هؤلاء الممثلين كان يفخر بإنجازات بعض الرؤساء فقال: إن من ضمن إنجازات هذا الرئيس أنه جعل عيداً للفن، وأنه بعد أن كان القضاء يرد شهادتنا أصبحنا الآن الأبطال والقدوة، ويقال لأحدنا: المربي الكبير والأستاذ القدير إلى آخر هذه الألقاب! ومن الأنواع المذمومة من أنواع التمثيل التي تبلغ من القباحة غايتها ما يسمونه الكوميديا أو الضحك أو النكت أو ما شابه هذه الأشياء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له).
فالكلام على هذا النوع من الهمز واللمز يقود إلى بيان وعيد الذي يكذب في حديثه ليضحك به الناس.
والمراد هنا الكلام على سائر أنواع هذا التمثيل، لكن حينما نتكلم في هذا التمثيل فإننا نقصد به المعنى العرفي؛ إذ أصبح علماً على الفسق والفجور الذي نعرفه جميعاً ونعلمه ونسمع به.
إن التمثيل المقصود به النوع الشائع المعروف الذي يتفق على تحريمه العلماء والعقلاء وذوو الفطرة السليمة، ولا يدخل فيه النوع المختلف فيه الذي هو -كما نسميه- التمثيل الأخلاقي الذي يدعو إلى الفضيلة والحث على الجهاد ونحو ذلك، فهذا فيه خلاف شرعاً هل هو محرم لذاته أم لا، أما إن كان التمثيل يحتوي على الفواحش كالتبرج والفساد المعروف فهذا محرم للأدلة الكثيرة في ذلك، لكن التمثيل فيما يهدف إلى إبراز المقاصد الأخلاقية، الذي يعرى عن وجود النساء المتبرجات أو غير المتبرجات، ويدعو إلى الأخلاق والحث على الفضائل هل هو محرم لذاته؟ بعض العلماء يرى أنه محرم لذاته، لكن هذا لا يفيدنا كثيراً، فلا نحتاج إلى أن نتكلم عن التمثيل الأخلاقي بصحة أو خطأ؛ لأننا لسنا نقصده؛ لأنه لا يوجد الآن تمثيل أخلاقي أبداً، وليس هناك أحد يدعي ذلك، بل الذي يبدأ بالأخلاق ينتهي بما نعلم! فهو نادر أو معدوم.
ومن أنواع التمثيل المعروفة ما تجرأ عليه بعض الملاحدة وقاموا بتمثيل بعض الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، بل منهم من وصل به هذا الفجور والفسوق إلى تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا حرام أو كفر، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
وكذلك في هذه الأوضاع المذمومة تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم.
أما التمثيل المعروف الآن بكل ملابساته فيقول أحد العلماء الذين ألفوا في هذا الموضوع: اعلم أنه لا يختلف اثنان ممن يعرف شيئاً عن دين الإسلام أن التمثيل من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر، ولا يشك في ذلك إلا من لا يعرف شيئاً عن دين الإسلام، أو كان من المنحلين المارقين الذين يدسون فيه الدسائس لمحو رسومه وإتلاف معالمه والقضاء عليه بتحليل محرماته وإسقاط واجباته، كما هو الواقع من الكثيرين، بل لا يشك عاقل ولا يمتري فاضل في أن التمثيل مناف للمروءة والعقل، منابذ للأخلاق والفضيلة، لا يرضاه ذو نفس شريفة، ولا همة أبية فضلاً عن ذي دين ومروءة، بل لا يرضاه لنفسه إلا دنس الأصل، وضيع النفس، ساقط المروءة، فاقد الشعور بالكرامة، خفيف العقل، قليل الدين أو ذاهبه بالكلية.
وهذا هو المشاهد من الممثلين، فإننا لا نرى في الممثلين ذا أهل وكرامة ودين ومروءة.