الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخي المسلم! نحن نعرف أن كلمة (ملتزم) شاعت في بداية الصحوة الإسلامية كمهرب يهرب به الإخوة من وصف الناس بالكفر، وأيضاً للتمييز بين المسلم الذي يدخل في اسم عموم الإسلام مع أنه مقصر ومفرط في دينه، فكأنها صارت تعبيراً عن مسلم حسن إسلامه، فراراً من تكفير المسلمين بالمعاصي والتقصير، وفراراً أيضاً من وصف المسلم العام الذي يفرط ويقصر في دينه، والذي كنا جميعاً نلحظه أن كلمة (ملتزم) هذه كانت كلمة لها شأن عظيم جداً؛ لأنها كانت تعبر عن نقطة تحول كاملة في كل السلوك الحياتي والفكري والحد الفاصل بين ما مضى وبين الأمس، وبين اليوم وبين الغد، كانت نقطة تحول يتحول الإنسان فيها ويعيد تخطيط حياته كاملةً في ضوءِ ما يمليه عليه دينه الذي جدد العهد مع الله تبارك وتعالى أن يلتزم به، وينبغي أن نشتغل بدعوة الناس عموماً إلى الالتزام بدينهم، وأن نقوم بتحسين إسلامهم، ويتوجب علينا بين الحين والآخر أن لا ننسى أنفسنا، فنحن محتاجون إلى تصحيح إسلامنا وتجديد إيماننا، مع الاهتمام بالفقرة العددية والانتشار الأفقي في ساحة الدعوة، وربما كان هذا على حساب التغذية الفردية والسلوكية في بعض الناس، وخاصة إذا ضممنا إلى ذلك أن إنساناً يكون في أغلب عمره قد قضى هذا العمر من طفولته إلى صباه إلى أوائل شبابه طبقاً لنظام معين في المجتمع، وفي تعاملاته وأخلاقه وسلوكه، فإذا أراد تغيير بعض الصفات في الكبر فإنه يكون فيه شيء من الصعوبة، وربما حمل الإنسان على فعل ما كان عليه من قبل هذا الالتزام أو أن يترخص فيما لا يجوز له فيه الترخص أنه لم ينشأ على طاعة الله منذ الصغر، فنرجو أن تكون الأجيال القادمة بإذن الله أسعد حظاً منا.
وأكثر ما نعانيه الآن أنه بطول الأمد وبمرور الوقت يحصل فينا تغير وتحول، وهذا التحول الذي بقي يصيب المظهر أحياناً، وليس في الأمر كبير خطورة، لكن المشكلة أن هذا التحول مع الوقت يصيب الجوهر لا المظهر فقط، وينفذ إلى الصفات، ويعدل القيم والموازين التي ما كنا نتصور أنه في يوم من الأيام أن نتنازل عنها أو نمعن التفكير فيها.
أيضاً التحول في ترتيب الأولويات التي تشغل الإنسان في حياته، فبعد أن كان الأخ يعاهد الله تبارك وتعالى حينما يلتزم على أنه إذا تزوج سيفعل كذا، وأنه إذا رزق بأولاد سيربيهم على كذا، وسيجعلهم يحفظون القرآن في سن كذا إلى آخر هذه الخطط والآمال إذ أنه يغير هذا كله، والواقع أننا نكون قد تنازلنا عن هذه الأشياء أو قصرنا أو فرطنا، وربما تغيرت نظرة الناس إلى أشياء كثيرة حتى يجوز أن يسمى حالهم بالافتتان، وقد قال بعض السلف في حد الفتنة: أن تستحل ما كنت تراه حراماً.
يحمل هذا على أن الإنسان يترخص في شيء كان يراه حراماً، ولا يكون تحوله هذا عن زيادة علم ورسوخ في الفقه، وإنما مجرد جريان وراء الهوى والشهوات، وضعف أمام الفتن والمغريات، فنحن الآن ينبغي أن نلتفت إلى ضرورة أن نسعى لتحقيق صحوة جيدة أو زيادة الصحوة، فتوبتنا تحتاج الآن إلى توبة، والتزامنا يحتاج إلى التزام، وعلينا أن نجدد العهد مع الله تبارك وتعالى، وليس في هذا معرة أو أي نقص، وإنما هذه طبيعة البشر، إننا في الطريق إلى الله بصفتنا البشرية قد نتعثر، وليس الخطأ أن تتعثر ولكن الخطأ أن تتخذ الحفرة التي وقعت فيها مستقراً ومقيلاً، وتأوي إليها، وتخضع وترضخ لهذا الأمر، والواجب على الإنسان أن ينهض من العثرة ويجدد التوبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق، إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً، إذا ذكر ذكر) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ونفس هذا المعنى الذي يشير إليه عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، حتى لا ينزعج بعض الناس من هذا التعبير الذي نقوله، وهو أننا ينبغي أن نبحث عن تحقيق الصحوة، وتجديد الإيمان، وتحقيق الالتزام من جديد، وتجديد التوبة، وقد ألفنا خيراً من شيخ الإسلام ومجدد شباب الإسلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى، حكا عنه ابن القيم رحمه الله في أواخر حياته المباركة يقول: هذا كلام شيخ الإسلام: والله منذ أن احتلمت وبلغت وعقلت إلى الآن ما أعلم أني أسلمت إسلاماً جيداً، وإني أجدد إسلامي إلى الآن.
فما هناك شك في أن أمثالنا أحوج إلى تصحيح الإسلام وتجديد العهد مع الله تبارك وتعالى من وقت إلى آخر.