للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البدعة من حيث الحقيقة والإضافة]

وهناك قسم آخر من البدع وهو أخطر أنواع البدع، وهو سبب المشاكل عموماً بين الناس في باب البدع، وهو البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية، وهذا مهم جداً في قضيتنا، وهو موضوع ضوابط التبديع.

فالبدعة الحقيقة هي ما كان الابتداع فيها من جميع وجوهها، فإذا نظرت إلى العمل من أي زاوية ولم تر له أصلاً في الشرع فهو بدعة حقيقية؛ لأن الابتداع من جميع وجوهها، فهي بدعة محضة، وليس فيها جهة تندرج بها في السنة، وهي التي لم يدل عليها دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو استدلال، ولذلك سميت بدعة حقيقة؛ لأنها مخترعة على غير مثال سابق، وهي بعيدة عن الشرع خارجة عنه من كل وجه.

ومن أمثلة البدعة الحقيقة بدعة التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالرهبانية وترك التزوج مع وجود الداعي إليه وفقد المانع الشرعي تماماً، كرهبانية النصارى، والله عز وجل يقول: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:٢٧] وهذا استثناء منقطع، أي: لكن كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله.

ومن هذه البدع تعذيب النفس بألوان العذاب الشنيع والتنكيل الفضيع، كما يحصل من الهنود في الإحراق بالنار وغير ذلك، ومثل ذلك ما يفعله الشيعة الروافض يوم عاشوراء من تعذيب أنفسهم، وإدخال أسياخ الحديد وشق وجوههم وصدورهم حتى تنزف منها الدماء، فهذه أيضاً من البدع الحقيقية، وهل هذه يمكن أن تدخل في الدين؟

الجواب

لا، فالدين لا يمكن أبداً أن يبيح للإنسان أن يعذب نفسه بهذه الطريقة، فهذه بدعة حقيقية، مثل ما يفعله الشيعة يوم عاشوراء من خدش الرءوس والوجوه، ولطم الخدود، والنواح لكون الحسين رضي الله تعالى عنه قتل في ذلك اليوم، فيقيمون هذه المآتم زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأنهم يتعبدون بهذا.

ومن البدع الحقيقية تحكيم العقل في أخبار النقل -في أخبار القرآن والسنة- كما هو معروف في التيارات المعتزلية.

ومن البدع الحقيقية: الطواف حول الأضرحة، والوقوف في غير عرفة بدل عرفة، وإقامة الهياكل على القبور، وتعليق الشموع والمصابيح حول الأضرحة، فهذه كلها لا يمكن أبداً من أي زاوية إذا نظرنا إليها أن نجدها تدخل في الشرع، أو تكون لها شبهة أدلة الشرع، بل هي بدعة محضة لا يمكن أن يكون لها أصل في الدين، فهذه هي البدعة الحقيقية.

أما البدعة الإضافية فهي على خلاف ذلك، والبدعة الإضافية لها جهتان: إحداهما: لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من هذه الجهة بدعة، والأخرى ليس لها متعلق في الأدلة إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، فهذا العمل هو البدعة الإضافية، فهو باعتبار من الاعتبارات سنة وباعتبار آخر بدعة، أي أنه غير خالص لأحد الطرفين، ولذلك نسمي البدعة الإضافية بدعة نسبية أو إضافية حسب ما تضاف إليه، فهي سنة بالنسبة لأحدى الجهتين وبدعة بالنسبة للجهة الأخرى، سنة لأنها من زاوية مستندة إلى دليل، وبدعة لأنها من الزاوية الأخرى ليست مستندة إلى دليل شرعي ولا إلى شبهة، بل غير مستندة إلى دليل أصلاً.

وهذا النوع هو مسار النزاع بين أغلب المتكلمين في السنن والبدع.

وأنواعه كثيرة، منها: صلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وصلاة حفظ الإيمان، وصلاة بر الوالدين، وصلاة مونس القبر، وصلاة ليلة ويوم عاشوراء، وهذا كله لم يثبت أبداً في السنة بوجه من الوجوه.

فإن قيل: لماذا نقول: هو بدعة إضافية؟ ف

الجواب

هو بدعة إضافية لأنه تشوبه شائبتان: الأولى: لأن الصلاة من حيث التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتنفل بصلوات ثابتة في الشرع، وهناك تحريض عليها، يقول عليه الصلاة والسلام: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) وهم من هذه الناحية قالوا: نحن نصلي لا نعبث.

الثانية: أن هذا إن لم يكن ثابتاً في السنة من جميع الوجوه ففيه سنة من بعض الجهات.

فمثلاً: بدعة التلحين في الأذان -الذي هو التطريب والتغني في الأذان- بدعة إضافية؛ لأن الأذان في حد ذاته سنة مشروعة معروفة، أما باعتبار ما عرض له من تمطيط الكلمات وتلحينها وتصريفها وإخراجها عن أوضاعها العربية من أجل المحافظة على توقيع الألحان فهو بدعة قبيحة، وهذا لا يحل في الأذان ولا في قراءة القرآن، فالأذان من حيث كونه أذاناً هو ليس بدعة، وأما من حيث ما أضيف إليه من كيفية فهذه بدعة إضافية.

وكذلك قراءة سورة الإخلاص مائة ألف مرة، فيقرءون: (قل هو الله أحد) مائة ألف مرة، ويسمونها (العتاقة الكبرى) أي: من قرأها لنفسه أو لغيره فإنه يعتق من النار.

وهذا من عندهم، فهذه بدعة إضافية؛ لأن قراءة (قل هو الله أحد) ذكر مشروع معروف، كما قال صلى الله عليه وسلم ((قل هو الله أحد) ثلث القرآن)، وقال: (ومن قرأ: (قل هو الله أحد) عشر مرات بنى له الله بيتاً في الجنة) لكن من حيث تسميتها عتاقاً أو ترتيب الثواب عليها والمواظبة عليها وتشريعها للناس هذه بدعة ليس لها أصل في الدين.

ومن البدع الإضافية الأذان لصلاة العيدين أو لصلاة الكسوف؛ فإنه لم يثبت في سنة النبي صلى الله عليه أذان لصلاة العيدين وصلاة الكسوف، فالأذان من حيث هو أذان سنة ومشروع، لكن من حيث الوقت والوظيفة -وهو ربطه بالعيدين أو بصلاة الكسوف- بدعة من هذه الناحية.

وهكذا ختم الصلاة بالطريقة الموجودة الآن، فيؤم بعض الناس المصلين ويختم الصلاة بطريقة معينة، كما هو معروف في بعض المساجد، فهذه الأذكار التي تقال في هذا الموطن في حد ذاتها هي سنة، لكن البدعة طرأت عليها من حيث الكيفية والألفاظ المبتدعة التي يخترعونها، فهذا فيما يتعلق بالبدعة الحقيقية والبدعة الإضافية.