للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من حضور مجالس الشر]

كما حث الشارع على حضور مجالس الذكر فقد نفّر عن مجالسة الكذابين، وحذر من مجالسة الخطائين، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:٧٢] أي: كأن الإنسان إذا جلس في مجالس اللغو فإن هذه إهانة له تنافي الكرامة التي كرمه الله عز وجل بها، سواء كانت تلك مجالس اللعب واللهو، أو مجالس للأغاني، أو مجالس للأفلام، فكل هذا اللهو الفارغ ملعون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها)، فكل هذه الأشياء ملعونة ومطرودة ومبعدة من رحمة الله عز وجل، ومبعدة لمن اشتغل بها عن ذكر الله تبارك وتعالى، فلا ينبغي حضور مجالس الزور كما قال تعالى: ((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ))، وسواء كان الزور أعياد المشركين، أو كان مجالس اللهو والكذب والمسرحيات والأفلام والفيديو وغير ذلك من مجالس الشياطين.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:٣]، والإعراض: هو تجافي القلب وكراهيته لهذه المجالس، ومجانبته لأهلها، فلا ينبغي حضور هذه المجالس ولا قربها؛ تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله، {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣]، وصيانة لدينه عما يشينه؛ لأن مشاهدة الباطل فيه شركة، ولهذا قال عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨]، وقال عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٩]، وقال عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦]، وقال عز وجل: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٥ - ١٦]، وقال عز وجل في المنافقين: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قليلا} [النساء:١٤٢]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩].

فينبغي الاشتغال بمجالس الذكر، ومن لازم ذلك الإعراض عن مجالس اللهو، وهذا على نقيض ما يذهب إليه أتباع الشياطين ممن يقولون: ساعة لقلبك وساعة لربك، وفي الحقيقة هي ساعة لربك، ولا تكون خالصة لله، وساعة لشيطانك، وهذه شركة في تقسيم الوقت، بل إنّ المسلم يمتثل ما قاله النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢]، وهذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، وبعض الناس يأتون بأشياء تخالف ما قد أحكمه الله عز وجل، فبدلاً من أن يتحاكموا إلى شرع الله عز وجل فإنهم يقسمون أعمارهم إلى قسمين: حظ للشيطان، ويزعمون أن الحظ الآخر لله عز وجل، وما أمرهم إلا كما قال الله عز وجل: {فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام:١٣٦].

فتقسيم مُلك السموات والأرض إنما هو لله تعالى، وليس كما يقول الملاحدة الكفار: الدين لله والوطن للجميع، فيقسمون وكأنهم يملكون هذا الكون، وتلك القسمة تنافي قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:١٨٩]، وهؤلاء عباد الله عز وجل يملكهم ويملك نواصيهم.

فالمقصود أن هذا التقسيم: ساعة لربك، وساعة لقلبك، مما ينافي مقاصد الشريعة، ويمكن أن يضاف إليها: لقلبك المريض، فلا يقول مثل هذا الكلام إلّا مريض القلب، وأما المسلم فإنه يطيع الله عز وجل في كل أحواله، {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

فهذه المجالس نحن مأمورون بالإعراض عنها كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:٣]، وهذه صفة: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:١١] أي: أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقال عز وجل: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس:٤١].

وقد عدد العلماء أسماء مجالس اللهو والفساد؛ ليدلونا على كثرة مفاسدها، فمن ذلك أنهم سموا مجالس المسرحيات والغناء والأفلام ومجالس الفجور المعروفة باسم اللهو، والغناء والموسيقى سموها أحياناً لهو الحديث، وسموها بالزور، واللغو، والباطل، والمكاء، والتصدية، ورقية الزنا، ومنبت النفاق، وقرآن الشيطان، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود كما جاء في بعض الآيات.