[مشكلات الخصائص العقلية للمراهق]
هل هذه الصفات الجميلة في هذه المرحلة من النمو العقلي الرائع الذي يحصل بهذه الصورة لها سلبيات؟ نعم لها بعض السلبيات والمشكلات المعرفية، والاجتماعية، وأهمها مشكلتان: - المثالية في المطالب، والحيرة بين البدائل.
وذلك أن خاصية القدرة على التخيل والتجريد تعطي المراهق فرصة التفكير للوصول إلى حلول مثالية للمشكلات التي تعرض عليه، سواء مشكلات شخصية، أو أسرية، أو اجتماعية، وهذه الحلول المثالية غير ممكنة التطبيق، أي أنها ليست مستحيلة الوقوع لكنها من الناحية الواقعية غير ممكنة التطبيق، فيمكن للمراهق على أساس من هذا التفكير أن يتصور بيتاً مثالياً، ومجتمعاً مثالياً، وأمة مثالية؛ لكنه يصطدم بالواقع الثقيل المعقد.
وهذا الخلل في الاستفادة من خاصية التفكير المجرد والتصور نشأ عن فقد الخبرة، أي أن عنده القدرة على التفكير لكن ليس عنده خبرة، فهو يفقد التجربة، ويفقد الرصيد الواقعي الذي يتولد عند الإنسان من احتكاكه بظروف الحياة المختلفة واختلاطه بأصحاب الخبرة والمراس، وهذا الذي يقربه إلى الواقعية! إذاً: توضع معادلة تلخص هذه المشكلة، وهي: (أن التفكير المجرد + فقد الخبرة =المثالية في الحلول أو الخطط) فتجده دائماً يفكر في آفاق بعيدة جداً، فيقول مثلاً: لابد أن يتحد العالم كله، ويصل بتفكيره إلى أبعاد مثالية جداً في التعامل مع الأمور.
وإذا كانت هذه المطالب نموذجية ومثالية فمن الطبيعي أنها تواجه بالإهمال أو بالرفض من قبل الوالدين أو المجتمع، وبالتالي ينشأ الصراع بينه وبين الأسرة، أو بينه وبين المجتمع، أو ينشأ الاغتراب نتيجة هذا الاصطدام، ويعتزل المجتمع، ويفقد ثقته بالناس، وبالتالي ينتشر عند الشباب سلبية وتشاؤم.
وهذه المشكلة أيضاً يمكن التعبير عنها في معادلة: (آراء ومطالب مثالية + رفض مستمر دون بيان =اغتراب وصراع) الأب أو المجتمع يرفض هذه الآراء دون أن يفهم هذا المراهق ويقنعه، فهو مقتنع بالتفكير المثالي وآراؤه المثالية النموذجية، والمجتمع أو الآباء يرفضون أفكاره دون بيان ودون توضيح ودون إقناع، فينشأ عن ذلك صراع أو اغتراب.
- أما المشكلة الأخرى التي تنشأ عن هذه الخاصية فهي: الحيرة والنقد: ذكرنا أن المراهق يستطيع أن يتصور المواقف المختلفة قبل حدوثها، ويستطيع عند مواجهة المشكلات أن يدرك الوجوه المختلفة لها، والبدائل المتعددة لحلها، وعندما يواجه مشكلة ذات بدائل متعددة في حلها لابد من اتخاذ القرار لتحديد الحل واختياره، وإذا وضع في الاعتبار فقد الخبرة مع طبيعة المراهق الانفعالية وقعت هذه المشكلة بالنسبة له، فهو لابد أن يختار، ولابد أن يعرف التعليل عند اختيار هذا الحل دون غيره، ومن هنا تنشأ مشكلة الحيرة بين البدائل المختلفة، وتنشأ موجة الشك والتردد، وينشأ عنده الاتجاه للنقد والتمحيص لما حوله حتى في بعض المسلمات التقليدية الاجتماعية، باحثاً عن الحكمة من ورائها، ومناقشاً لوالديه أو معلميه في مواقفهم وفي اتخاذهم للقرارات واقتناعهم بالمسلمات.
ورغم ما يواجهه المراهق من حيرة بين البدائل إلا أنه ينزع إلى اتخاذ القرار بنفسه، واختيار الحل الذي يقتنع هو به، لكنه قد يخفق في كثير من الأحيان ويفشل ما لم تتم إحاطته بوسط يساعده على اتخاذ القرار المناسب بطريقة غير مباشرة، أو بطريقة مباشرة غير ملزمة.
يستطيع أيضاً أن يعي أو يستوعب الرموز المركبة، إذا رمزنا له بواحد عن سين مثلاً، واثنين نرمز لها بصاد، فهو يستطيع أن يعرف أن (س + ص =٣)، بالتالي يقدر أن يفكر هو بذاته، وبالتالي تنمو عنده القدرة على تأمل ذاته وأحواله وصفاته وسماته، ويبدأ بانتقاد ذاته.
كما أنه يستطيع تكوين فكرة عن ذاته وطاقاته وميوله وحاجاته، ولا يتقبل رأي الآخرين فيه بسهولة؛ لأنه يريد أن ينبع الرأي منه هو، فرأي الآخرين في نفسه لا يتقبله، ويكون شديد الحساسية للنقد.
ولبروز قدرة المراهق على التفكير والتأمل في نفسه وفي ذاته يبدأ عنده الادعاء أن الراشدين لا يفهمونه، وأنهم لا يدركون معاناته ولا مرحلته، ولا شك أن هذا النوع من التفكير لم يكن موجوداً في مرحلة الطفولة، إذاً: هذه من خصائص مرحلة المراهقة التي تتسم بالتغيرات البالغة في مستوى التفكير ونوعيته.